ارتقاء الشهيد صلاح عثمان يوم الجمعة 16/4/ 2021 متأثرا بإصابته بفايروس كورونا يعيد إلى الأذهان سيرة هذا البطل، وحكاية أبرز العمليات البطولية التي شارك فيها نصرة لقضية فلسطين ومنها قضية الأسرى، التي لم تفارق وجدانه للحظة هو وإخوانه المجاهدين من أبناء كتائب القسام، الذين يعملون بجد وعزيمة كبيرة لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
ففي لحظة مشرفة من تاريخ شعبنا قرر القائد صلاح عثمان المشاركة في عملية نوعية تهدف إلى اختطاف جنود إسرائيليين، ومبادلتهم بعدد من الأسرى، بعد أن قفزت هذه الفكرة إلى ذهن الشهيد البطل محمد عزيز رشدي ابن مدينة الخليل، الذي وضع خطة متكاملة للعملية وكان العقل المدبر لها.
ونجح في تشكيل خلية خاصة للتنفيذ كان في عضويتها: محمد الهندي، وماهر أبو سرور، وصلاح عثمان، وقد قسم أدوار هؤلاء الأبطال بحيث تنكر المجاهد صلاح عثمان بِزِيّ طالب جامعي، في حين تنكر الشهيد محمد الهندي بِزِيّ رجل أعمال، أما الشهيد ماهر أبو سرور فقد تنكر بِزِي جندي إسرائيلي.
زُوِّد المجاهدون بعتاد خاص لتنفيذ العملية وكان عبارة عن مسدسين، وسلاح أم 16، وعدد2 حقائب متفجرة، ثم انطلق المجاهدون إلى مكان العملية نحو الهدف المرصود الذي اتُّفِق عليه، حيث صعد هؤلاء الأبطال في الحافلة التي تحمل رقم "25"، والتي كانت تقل عددًا كبيرًا من الجنود الإسرائيليين في منطقة التلة الفرنسية بالقدس المحتلة.
وفي أثناء سير الحافلة وقف الشهيد ماهر أمام الجنود حيث كان يجلس في مقدمة الحافلة وأعلن أن الحافلة "الآن مختطفة" وأن على جميع ركابها الانصياع التام، وإلا فإن عناصر القسام الموجودين في الحافلة سيفجِّرونها، الأمر الذي أثار الرعب في صفوف الجنود الإسرائيليين.
وفي أثناء الطريق حاول أحد الركاب من الجنود خطف سلاح أحد عناصر الخلية، فحدث إطلاق نار داخل الحافلة فأصيب عدد من الجنود الإسرائيليين، وقد تزامن ذلك مع إطلاق نار من خارج الحافلة من الجيش الإسرائيلي تجاه عناصر الخلية، ما أدى إلى إصابة المجاهد صلاح عثمان وكانت إصابته بالغة.
المحاولة ذاتها تكررت من سائق الحافلة الذي حاول أيضا سحب السلاح من يد المجاهد ماهر أبو سرور، فأطلق المجاهد الرصاص عليه وأرداه قتيلا على الفور، وحينها اصطدمت الحافلة بعمود كهرباء، ما دفع المجاهدين ماهر ومحمد لمغادرتها حيث أوقفوا سيارة وسيطروا عليها متوجهين إلى منطقة بيت لحم.
لكن قوات الاحتلال لاحقتهم بتعزيزات عسكرية كبيرة واستمرت بإطلاق النار بكثافة عليهم، ما أدى إلى ارتقاء هؤلاء الأبطال، في حين أُرسل المجاهد صلاح عثمان إلى قطاع غزة، لأن حالته الصحية كانت حرجة للغاية، وقد ظن العدو بأن هذه نهايته ولا جدوى من الاحتفاظ به.
إلا أن قدر الله سبحانه وتعالى غالب وكتب النجاة لهذا الفارس ليعيش ما تبقى له من عمر في قطاع غزة، كي يبقى شاهدا على العملية البطولية، التي كانت تمثل تطورا نوعيا على صعيد العمل الفدائي الرامي لتحرير الأسرى ضمن الجهود الكبيرة والمحاولات المختلفة التي تبذلها كتائب القسام وكل أذرع المقاومة لتحرير الأسرى.
وقد تكشفت التفاصيل لاحقا بعد العثور على مطالب الخلية القسامية، التي كان منها الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، وعبد الكريم عبيد القيادي من حزب الله، والإفراج أيضا عن 50 من أسرى حماس، و10 من أسرى فتح، و10 من أسرى الجهاد الإسلامي، و10 من أسرى الجبهة الشعبية، و10 من القيادة العامة.
هذه العملية التي نفذت في 1/7/1993 كانت شاهدا على حرص المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام على تحرير الأسرى من السجون الصهيونية مهما كان الثمن غاليا، حتى لو كان المقابل أن يقدم المجاهدون أرواحهم في سبيل ذلك، حيث لم تتوقف بعد هذه العملية المحاولات الفدائية المختلفة للوصول إلى هذا الهدف الوطني الكبير.
كانت رسالة العملية واضحة أن المقاومة الفلسطينية تملك القرار والإرادة الكافية لتنفيذ عمليات نوعية بهدف تحرير الأسرى رغم أنف العدو، وأن كل العوائق الأمنية والاحتياطات العالية التي اتخذتها حكومة الاحتلال داخل المدن المحتلة لا يمكن أن تحول دون وصول مقاتلي كتائب القسام إلى أهدافهم، فقد نفذت عملية التلة الفرنسية في ظروف أمنية بالغة التعقيد وفي ذروة الاستنفار الصهيوني.
رحم الله القائد المجاهد صلاح عثمان، وأعان إخوانه من بعده ممن يحملون مسؤولية الدفاع عن هذه الأرض المقدسة، ويضعون ملف الأسرى أمام أعينهم لحظة بلحظة، ولا يدخرون أي جهد لتحريرهم، وقد أقسموا وعاهدوا شعبنا وأسرانا من قبل حتى صدقت كلماتهم بتحرير ما يزيد على ألف أسير في صفقة كتبت بمداد من نور في تاريخ شعبنا العظيم ومقاومته الباسلة، فكانت وفاء الأحرار (1) وما زالوا على عهدهم في إبرام صفقة ثانية حين يرضخ العدو لمطالب المقاومة، نظير ما تملكه الكتائب من "صيد ثمين" يوجع العدو، ويجعله حائرا يتوسل الوسطاء للإفراج عن جنوده الأسرى.