بني باب العامود في العهد العثماني فوق باب أقدم بني منذ العهد الروماني، فبات بوابتين في بوابة واحدة، واتخذ الباب اسمه نسبة إلى عامود يقع في ساحته الداخلية، وله من الأسماء غير هذا الاسم، فالبعض أسماه باب دمشق، وباب نابلس ولكنه ظل على مر العصور الطويلة أكثر البوابات شهرة وربما تحول إلى أكثرها رعبا بالنسبة للاحتلال.
تحول الباب إلى خطر بالنسبة للمحتل يرى وجوب أخذ كل مسببات الحيطة والحذر تجاهه، منذ بداية ثورة السكاكين في الثالث من تشرين الأول 2015 حينما طعن الشهيد مهند الحلبي أحد المستوطنين وأطلق النار على آخرين بالقرب من باب العامود.
ارتقى مهند شهيدا، ثم تبعه الشهيد تلو الشهيد والعملية تلو الأخرى، وظل باب العامود واقفا كممر يأخذ بيد السكاكين الثائرة ويدلها على الطريق، وتوالت بعدها عمليات الطعن المنفذة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، حتى وصل عددها إلى عشرات العمليات، ارتقى خلالها ثلاثة عشر شهيدا في ساحة الباب وفي محيطه، خلال عام واحد.
غضب الاحتلال كما يغضب في كل مرة، وبدى له أن باب العامود لم يعد مجرد باب، وإنما هو بوابة الموت والرعب.
وبعد آخر عملية وقعت عند باب العامود والتي نفذها ثلاثة شبان من رام الله قامت مجموعة من المستوطنين بتغيير اسم الشارع المؤدي إلى باب العامود من شارع السلطان سليمان إلى شارع "البطلات" إشارة إلى الجنديتين اللتين قتلتا في العملية البطولية.
ولكن أكذوبة الاحتلال الاستخباراتية ومنظومته الأمنية التي يتباهى بها لم تمنع شبان القدس والضفة الغربية من التسلل والقيام بعمليات ومحاولات طعن؛ رغم كل ما اتخذه الاحتلال من محاولات للسيطرة على باب العامود الذي تحول خلال عام واحد إلى كابوس مرعب للجنود.
الكاتب زياد ابحيص المختص بقضايا القدس يرى أن الاحتلال جن جنونه منذ هبة باب الأسباط حيث أدرك بالتجربة مدى خطورة التجمهر الشعبي وما يمكن أن يفرضه عليه من تراجع.
وقال: هذا قاده إلى التفكير في إعادة هندسة الحيز المفتوح للتجمع في محيط البلدة القديمة، فوضع تحت مجهره بابي العامود والأسباط، وبدأ بمجموعة مهمة من التغييرات التدريجية فيهما بما يقوض تدريجياً –بنظره- إمكانات التجمع المقدسي الواسع فيهما.
وهكذا بدأ التنفيذ بباب العامود لاعتبارات السهولة ولأهمية الباب وشهرته وكثرة استخدامه، فأسس الاحتلال خلال أربعة أشهر من بداية عام 2018 أربع غرف مراقبة أمنية تضاف لها نقطة سابقة فوق باب العامود من الأعلى وداخل الباب نفسه، فباتت في باب العامود وساحته 6 نقاط أمنية ثابتة، غير مراكز الشرطة القريبة منها إلى الشمال والشرق.
ويلفت ابحيص إلى أن الاحتلال يريد من تحويل باب العامود إلى نقطة أمنية نقل التجمهر فيها من المقدسيين إلى المستوطنين باعتبارها النقطة الأفضل لتجمهرهم، وهذا ما يفعله المستوطنون بالفعل في عدة مناسبات، وبالذات في ذكرى "يوم القدس" العبري التي ستحل بعد ثلاثة أسابيع، في 28 رمضان تحديداً، إذ باتوا يعتبرون ساحة البراق وساحة باب العامود نقاط تجمعهم الرئيسة.
هناك معركة حقيقية على باب العامود وهي معركة على المكان، فإن اذعن المقدسي وأفرغ الأمكنة من أصحابها، سلبت، وبالتالي سلبت هويتها، وهكذا تترك تدريجيا للاستيطان كي يبدأ بتغيير اسم الشارع، ثم البوابة، ثم يتغير المارون عبرها إلى حقوقهم التاريخية.
ويعلق زياد الحموري مدير مركز القدس للدراسات في مقابلة مع "الرسالة" على ما فعله الاحتلال من إجراءات أعاقت حركة الناس وأخافتهم بأنها بالفعل أربكت الحياة داخل أسوار المدينة وقد بدأ جزء من الزوار يفكرون جديا في معيقات الاحتلال ومنعهم من الدخول وطريقة تفتيشهم ومراقبتهم مما سيؤثر سلبا على عدد الداخلين عبر البوابة، وهذا يقلل من عدد مرات نزولهم إلى المدينة المقدسة لكي يقللوا من فرصة الاحتكاك مع الجنود.
ويستذكر الحموري كيف يمارس الاحتلال التحايل لإغلاق المنطقة أحيانا، فقبل خمس وعشرين عاما أغلق محيط الباب لأجل اعمال بنية تحتية وصيانة على حد قولهم وقد تكررت هذه الحادثة أكثر من مرة لأسباب وذرائع مختلفة؛ ما اضطر بعض أصحاب المحال التجارية العرب في المنطقة لإغلاق محالهم.
ويشرح مدير مركز القدس للدراسات كيف تحاول سلطات الاحتلال إجهاض القطاع الاقتصادي بالمدينة التي يقع أكثر من 80% من سكانها تحت خط الفقر، حيث اضطر أصحاب 260 محلا تجاريا في البلدة القديمة إلى إغلاقها بسبب تراكم الديون الضريبية للاحتلال.
ويلفت الحموري إلى أن الاحتلال يفرض ضرائب مضاعفة على تجار البلدة القديمة العرب وتصل بهم إلى مبالغ فلكية زادت مع أزمة كورونا، حيث يفرض عليهم الاغلاق بشكل دائم ولساعات طويلة.