لم يكتفِ الاحتلال (الإسرائيلي) بقتل شيرين أبو عاقلة مرة واحدة، بل عمل على اغتيالها أكثر من مرة منذ استشهادها يوم الأربعاء الماضي.
ظهر الرعب (الإسرائيلي) جلياً وهو يهاجم جنازة شيرين أبو عاقلة، يخاف من العدد، يحاول إسقاط الأعلام، يعرقل الشباب الحاملين للنعش، يطلق النار، يفرض شروطه على طريقة الدفن، وطريقة التشييع، وطريق المسير، وشباب القدس يعلنون رفضهم.
رفضوا أن تحمل نعش شيرين سيارة إسعاف من الكنيسة إلى المثوى الأخير، وأصروا على أن تحمل على أكتافهم، وردت قوات الاحتلال باقتحام المستشفى الفرنسي بالقدس المحتلة، ظهر الجمعة، واعتدت على المشاركين في مراسم التشييع، مما أدى لإصابة العشرات بجروح.
الشوارع التي تسير فيها الجنازة تحولت إلى ساحة معركة بعد أن ألقت قوات الاحتلال قنابل الصوت والغاز السام داخل المستشفى الذي يتواجد به العديد من المرضى.
عززت شرطة الاحتلال قواتها في المستشفى، وأغلقت مدخله الرئيسي ومحيطه، واشترطت عدم رفع الأعلام الفلسطينية وإخراج الجثمان من المستشفى في سيارة الموتى وليس على الأكتاف، ثم نصبت الحواجز العسكرية عند كنيسة الروم الكاثوليك حيث سيتجه الجثمان.
الصحافي الفلسطيني محمد خيري يتساءل: لماذا قمعت قوات الاحتلال جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة بهذا الشكل؟ لماذا لم تترك الجنازة تسير، واختارت أن تساهم بمزيد فضح لصورتها البشعة أمام العالم؟!
يجيب خيري على تساؤلاته: "هناك أمر أهم من صورة الاحتلال أمام الرأي العالمي، فلم يعترف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) سوى دول قليلة ولهذا فالاحتلال ي.تريد فرض القدس عاصمة بالقوة من خلال الاقتحامات وهدم البيوت، والسبب الثاني هو المعارضة في داخل الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو الذي خرج لينتقد موقف الحكومة (الإسرائيلية) الضعيف أمام الانتقادات الدولية، متهماً نفتالي بينت بأن أهم ما يسعى إليه اليوم هو المحافظة على كرسيه، وهو يعلم أن مرور الجنازة ورفع الأعلام بهذه الطريقة لن يمر مرور الكرام.
الأمر محرج لحكومة الاحتلال؛ لأنها أُجبرت على التنازل عن مسيرة الأعلام الإسرائيلية الشهر الماضي، لكنها لم تستطع أن تفرض هذا التنازل على الفلسطينيين في جنازة أبو عاقلة.
ولفت خيري في حديثه لـ"الرسالة" إلى أن الأمر لم يكن سهلا بالنسبة للاحتلال، مضيفا: لطالما طالب أعضاء في (الكنيست) بتشريع قانون خاص لمنع وتجريم رفع الأعلام الفلسطينية في القدس، فالاحتلال يعتبر أن رفع الأعلام اعتداء صريح على سيادة الاحتلال في القدس، فالسيادة والعلم متساويان، لذا كانت مشاهد القمع خلال التشييع بهذا العنف.
وفي السياق ذاته أصدر ما يسمى رئيس بلدية اللد المحتلة بياناً قال فيه بشكل صريح: "عار على الحكومة أن يُرفع العلم الفلسطيني في مدينة اللد، بعد أن تظاهر أهلها بالأمس بمناسبة مرور عام على الأحداث التي تأججت ضمن أحداث الأقصى العام الماضي".
ليس هناك قرار حتى الآن يجرّم رفع العلم الفلسطيني، لكن الشرطة لا تلتزم، فاعتقلت 50 فلسطينياً بتهمة رفع العلم، ووجهت لـ 43 منهم اتهامات رسمية؛ لأن رفع العلم الفلسطيني هز ثقتهم بأنفسهم في المدينة التي يدعون أنها عاصمتهم الأبدية، بينما أصحاب القدس يثبتون أمامهم بقوة وفي جنازة شيرين أبو عاقلة، أنهم أصحاب القدس الحقيقيون.
الصحافي المختص بالشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد يقول لـ"الرسالة": لو أن لدى (إسرائيل) تخوفا حقيقيا من ردات فعل دولية لما قمعت الجنازة ولا تواجدت في المسيرة، ولكنها شعرت بفقدان السيطرة على القدس في ظل ظهور العلم الفلسطيني بكل هذه القوة، وبأنها تخاف فعلاً من فقدان السيطرة في مناسبات أخرى قادمة.
ويلفت أبو عواد إلى أن (إسرائيل) لا تحتمل وجود مسيرات بهذا الثقل في ظل حكومتها الحالية لأنه يؤسس لمسيرات فلسطينية كبيرة ترفع الأعلام الفلسطينية وتسرق منها سيادتها داخل المدينة المقدسة.
(إسرائيل) تخشى أمرا واحدا، على حد قول عواد، وهو أن يقوم الفلسطينيون بردة فعل أو عمليات جهادية انتقاما لروح شيرين أبو عاقلة. مضيفاً: "هذا فقط ما يخيف الاحتلال، لكن المنظومة العالمية التي تقودها أمريكا تناصر (إسرائيل) حتى لو تراجعت شرعيتها بين شعوب هذه الدولة. وما دام الغرب تقوده الولايات المتحدة فلا أحد يستطيع أن يخرج عن هذا الصف، على حد تعبير عواد.