تحديا الإعاقة بالزواج والإنجاب

زوجان أصمان .. لغة قلبيهما تسبق الإشارات

الرسالة نت - مها شهوان

في جمعية أطفالنا للصم .. أصوات غريبة خرجت من تلك الحناجر مصحوبة بإشارات لزوجين شابين (إبراهيم أبو النجا ومها حرز الله), وحينما أنهى الزوج عمله اصطحب زوجته لتناول الشاي في باحة الجمعية, حيث استغلت الزوجة الفرصة وعرضت عليه آخر إبداعاتها الفنية التي خطتها يداها, فما كان من الزوج إلا أن أبدى إعجابه بها من خلال بعض الإشارات التي جعلت الزوجة تطأطئ رأسها خجلا.

رحب الزوجان بـ"الحديث" مع"الرسالة نت" لينقلوا تجربتهم في ممارسة حياتهم، وذلك بصحبة مسئول قسم التاهيل المهني  إبراهيم المهتدي والذي ساعد في ترجمة اشارتهم.

الصم وذويهم

أبو النجا"27عاما" أصابه الصم بعدما باغتته السخونة وهو في سن المهد، لم يكن وحده أصم فلديه إخوة ثلاثة مثله وستة آخرين من ذات العائلة، أما زوجته حرز الله "25 عاما" فلديها أخوان مثلها رغم عدم وجود صلة قرابة بين والديها بخلاف زوجها.

جلس الزوجان على أريكة خشبية وسط فناء الجمعية متحدثين عن تجربتهما المميزة, ولبرهة من الوقت يصمت إبراهيم مسترجعا طفولته ضاحكا:" لم أكن أخجل من إعاقتي بل كانت جسرا لتكوين صداقة وحب الآخرين لي(...) وكنت أقود أصحابي بالحي أثناء اللعب فلم أشعر للحظة أنني أختلف عنهم".

جميع الأطفال حينما يبلغون السادسة من عمرهم يلتحقون بالمدارس ليتلقنوا أنواع العلوم كافة, لكن التحاق الصم بمدارس عادية قبل عدة سنوات كانت تشكل عائقا أمامهم لعدم وجود الأساتذة المختصين.

قاطعت الزوجة حرز الله إشارات زوجها ملتفتة صوب المترجم لتتحدث عن التحاقها بالمدرسة قائلة:" التحقت بالصف الأول بمدرسة عادية ولم أكن أفهم شيئا إلا حينما تقترب مني المعلمة وتشرح لي بالإشارة وبالكاد كنت أفهم ما تقوله"، مضيفة: بعد فترة أدركت إدارة المدرسة ألا مكان لدي عندهم والسبيل الوحيد لإكمال دراستي الالتحاق بالهلال الأحمر لتعلم لغة الإشارة".

كثير من الناس يدور في أذهانهم كيف يتعامل الأهالي مع أبنائهم الصم, ذلك الاستفسار نقلته "الرسالة" للزوجين الذين رسمت ابتسامة على محياهما ومن ثم أجابت الزوجة مشيرة الى أن معظم ذويهم يدركون الكثير من الإشارات التي تمكنهم من التواصل مع أبنائهم، لافتة إلى أن أية إشارة جديدة يستفسرون عن معناها، بالإضافة إلى أن التعامل مع الصم بالإشارات من قبل ذويهم بات شيئا طبيعيا .

الذكور أكثر إقبالا

وقبل أن يستكمل الزوجان حديثهما انتهت فترة الاستراحة وكان يجب عليهما الرجوع الى مكاتبهم، واعدين "الرسالة" باستكمال اللقاء فور انتهاء دوامهم, حينها اغتنمت الأخيرة الفرصة وتوجهت لمكتب مسئول قسم السمعيات محاسن الريفي والتي بدورها ذكرت أنه منذ إنشاء جمعية أطفالنا للصم وصل عدد الذين تقدموا لفحص السمع ما يقارب الـ 11869 حالة، مشيرة إلى عدم وجود إحصائية بعدد الصم المتواجدون في القطاع.

وبحسب الريفي فانه في بداية إنشاء الجمعية كان الذكور أكثر إقبالا لفحص السمع، لكن بعدما بدأ الاهتمام بهذا الجانب بات الكثير من الأهالي يحضرون بناتهم للفحص، لاسيما في ظل تقبل المجتمع لهذه الفئة.

وفيما يختص بأسباب وجود أطفال صم قالت :" يوجد 50% لأسباب وراثية، والباقي مشكلات أثناء الحمل والولادة أو ما بعدها كتعرض الطفل للسخونة أو سقوطه أرضا، بالإضافة إلى فقدان السمع الناتج عن شدة الضوضاء لاسيما في المناطق التي تتعرض للقصف الصاروخي الدائم".

لا شك أن التعامل يأخذ منحيات مختلفة مع الذين يحتاجون لسماعات تمكنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وحول ذلك أوضحت مسئول قسم السمعيات أن المعضلة الأساسية تكون مع الأهالي, ففي حالة تقبلهم لوضع أبنائهم فذلك يحل 80% من المشكلة من خلال إقناعهم عن طريق الأخصائي الاجتماعي.

وقب انهاء الريفي لحديثها حينها عادت "الرسالة" إلى باحة الجمعية في الوقت الذي خرج فيه طلاب المدرسة لقضاء استراحتهم.

أصوات مكنونة

وفي ركن آخر من باحة المدرسة يجلس طالبان في الصف التاسع مقلبين دفتريهما بكلتا راحتيهما لمراجعة دروسهما بالإشارات وكان أحدهما يشرح للآخر إلى أن انتهت الفسحة توجه الجميع للصفوف.

المشرف التربوي باسم كراز تحدث عن تعليم الصم في قطاع غزة قائلا:"المناهج التي نسير عليها مستنبطة من مناهج الجامعة الأمريكية وغيرها من الدول الأجنبية التي تعنى بالصم حيث تم ترجمتها وتقليدها وتطويرها بما يتناسب مع طلابنا لاسيما في الرياضيات والعلوم".

وأضاف:"وزارة التربية والتعليم تحاول تبني المنهاج الموجود لدينا، بالإضافة إلى أننا نأخذ من  المنهاج الفلسطيني ونرى مدى إمكانية ملائمته مع العلوم الأجنبية ".

وأشار المشرف التربوي إلى أن الصم لديهم قصر في اللغة العربية والتربية الإسلامية, فطلاب الصف السادس منهم يعادلون الثاني بالنسبة للطلبة العاديين، مبينا أنهم في بقية المواد يتساوون مع أقرانهم العاديين بل وقد يتفوقون عليهم بالرياضيات.

ويعبر الصم عن أصوات مكنونة بداخلهم لها مغزى ومردود يتم التعامل معه من قبل المختصين، بالإضافة إلى أن الطبيعيين منهم يستطيعون فهم ما يقارب 30 % من مجمل الكلام من خلال تعلمهم للغة الشفاه وذلك بحسب قول المشرف التربوي.

فتاة صماء

وبعد جولة داخل القسم المهني والمدرسة التابعة لجمعية الصم أعلنت الأخيرة انتهاء الدوام، حينها عاد كلا من الزوجان إبراهيم ومها أدراج حديثهما حتى سارع الزوج متحدثا عن تقبل ذويه فكرة زواجه من فتاة صماء.

استدار أبو النجا ناحية مترجم إشاراته المهتدي قائلا:" كأي شاب كنت احلم بالزواج وتكوين أسرة حتى التقيت بزوجتي بالجمعية وأعجبت بأخلاقها، حينها أخبرت أمي التي قابلت الأمر بالرفض لكنني لم أيأس وتوجهت لأبي الذي خذلني أيضا خشية أن أنجب أطفالا صم".

وأثناء حديث ابراهيم بقيت زوجته تصنت له وكأنها تسمع لأول مرة حكاية زواجهما, فكانت تضحك تارة وتصمت مندهشة تارة أخرى , وتابع الزوج:"عندما وجدني والدي متمسكا برأي ذهب إلى أحد الشيوخ حتى طمأنه"، التفت النجار لزوجته متابعا بإشاراته:" أعلن والدي زواجي وفرح الجميع وتكللت فرحتنا بإنجاب طفلة طبيعية أسميتها آيات ليحفظها الله".

الزوجان الصم يجتنبان الحديث بالإشارة أمام طفلتهما الصغيرة آيات خشية أن تعتمد على لغة الإشارة بدلا من النطق بالكلمات، وبالرغم من إعاقتهما إلا أنهما يعلمان ابنتهما بعض الأساسيات .

تقول الزوجة :" أضع طفلتي عند أمي لتتعلم الكلام حتى غدت تنطق بكلمات تتناسب مع عمرها العام والثمانية شهور" .

ومن المواقف التي يقابلها الزوجان بصدر رحب أثناء سيرهما في الشارع ويتبادلان أطراف الحديث بالإشارة حينها ينظر إليهم الجميع بدهشة لكنهم يقابلون الموقف بابتسامة .

الكتابة هي التي تخرج ابراهيم من مآزق عدة،لاسيما عند ركوبه السيارة وعدم فهم السائق أين يريد أن يتجه، بالإضافة إلى أنه قد ينطق بعض الأماكن بشكل قد يفهم للبعض كشارع النصر مثلا ينطقه بثقل "نسر" .

و لم يمانع الزوجان من التقاط صورة لهما تنطق يتحديهما للواقع وقدرتهما على العيش سويا وإنجاب أطفال طبيعيين .

البث المباشر