صلاة العشاء والتراويح عند باب العامود، رسالة قوية للمحتل الذي وقف جنوده على الزاوية يتفرج بصمت على صرخة قوية بأن القرار لنا، ونحن أهالي القدس فقط من نقرر أين يمكننا أن نصلي.
افترش الشباب المرابطون الأرض على درجات باب العامود، صلوا وكبروا، وهتفوا، وظلوا هكذا يعاندون في الجندي الواقف، تسحروا، وضحكوا، ولم يحركهم صوت الرصاصات ولا قنابل الغاز الذي حاول الجنود من خلالها تفريق المتظاهرين الأكثر عنادا.
وفي مشهد مختلف أدى المقدسيون صلاة التراويح على الدرجات السفلية المؤدية إلى باب العامود في صلاة مقاومة عنادا في الاحتلال بينما كانت الهتافات لا زالت تصدح والمواجهات تزداد، في أعلى الدرجات المؤدية إلى الباب، وصوت الرصاص يخترق التكبيرات والسجدات والركعات التي أكملت حتى نهايتها.
واصطف المقدسيون في صفوف على أدراج وباحات باب العامود وأدوا الصلاة وسط انتشار مكثف لشرطة الاحتلال التي اعلنت أنها نشرت مزيدا من العناصر في مختلف أرجاء القدس المحتلة تمهيدا لقمع المقدسيين لليوم الثاني عشر على التوالي.
صلاة التراويح التي كانت تخيفهم من داخل المسجد الأقصى، خرجت إليهم ككابوس مرعب، وقد اعتبر الإرهابي المتطرف أرنون سيجال القيادي في اتحاد منظمات المعبد أن صلاة التراويح في رمضان هي التي تتسبب في المظاهرات والاشتباكات بين شرطة الاحتلال والشباب المقدسيين، وها هي تنتشر في باحات الأقصى ومحيطه، وخلف بواباته أيضا.
وتلك الغرف الأربعة المحصنة التي فرضها الاحتلال على واقع باب العامود، منها يراقب المصلين والداخلين، وقد تحولت إلى غرف اعتقال من بداية شهر رمضان، يسحب إليها الشباب المقدسي، ومن زجاجها يمكن أن نرى الجنود وهم يضربونه ببساطيرهم وأسلحتهم.
لم تكن الصلاة مقتصرة على المقدسيين، بل كان هناك مصلون أتوا من أم الفحم ومن الداخل المحتل للرباط مع المقدسيين على درجات باب العامود، في ظل ازدياد الهجمات والاصابات والاعتقالات، فقد وصل عدد المصابين إلى مائة مصاب، بينما تجاوز عدد المعتقلين المائة، ولا زالت المواجهات تزداد حتى موعد أذان الفجر مرورا بفترة السحور.
كثيرون كانوا يعتقدون أن الأمر لن ينتهي في ليلة أو ليلتين، يقول الدكتور عبد الله معروف المختص بقضايا القدس والأقصى أنه يتوقع ازديادا في استفزازات الاحتلال في الأيام القادمة وما بعدها، حيث يراهن المستوطنون على يوم الثامن والعشرين من رمضان، حيث يتوقعون أن ينفض أحباب الأقصى ومصليه يوم السابع والعشرون، ويتركوا الأقصى فارغا بعد انتهاء صلوات ليلة القدر، وهنا سيقتحم المتطرفون اليهود الأقصى بالآلاف ليأدوا صلواتهم فيه يوم الثامن والعشرين.
وبالأمس أعلنت السفارة الأمريكية مطالبتها بعودة الهدوء وتخوفها من تصاعد وتيرة الأحداث أكثر، وعلق على هذا البيان الشيخ المقدسي نور الدين الرجبي قائلا: "حين تطلب السفارة الأمريكية في القدس المحتلة إنهاء "التحريض" وتحكيم العقل فهذا يعني أن الصهاينة في مأزق وأن شباب القدس حشروهم في زاوية تضطرهم للاستنجاد براعيهم وولي نعمتهم الولايات المتحدة.
الدكتور جمال عمرو كان مع المرابطين حتى ساعات الفجر ووصف لنا حجم الرباط الهائل من بعد صلاة التراويح حتى الآن، وإصرار الشباب على الاستمرار في "المجاكرة" حتى آخر نفس.
وقال عمرو: "الشباب يزداد عددهم بشكل هائل والجنود يزداد غضبهم وسخطهم حتى أنهم وقفوا على رؤوس الشوارع المؤدية إلى باب العامود مثل شارع يافا وباب الخليل، في محاولة لإيقاف ازدياد عدد الحشود التي تصل باب العامود.
يتابع: بدأوا بالتصعيد باعتقال الشباب قبل وصولهم ساحات باب العامود مقدرا الاعتقالات بالمئات، بالإضافة إلى الضرب المبرح بالهراوات، التي نتجت عنها إصابات بالغة بين الشباب.
ويلفت عمرو إلى أن الاحتلال بدأ يفاوض على مبدأ: "الساحة الكم والدرج النا" ولكن الشباب مصرون على الاعتصام والرفض، مرددين " كل شيء النا".
ولأن "كل شيء النا" فاز المفاوض المقدسي، لأنه يحمل القوة والوحدة بيد والحق باليد الأخرى بدأ التفاوض، على الباحة أولا، ثم على الدرجات، وعلى البوابة ونقاط التفتيش الأربعة، وقبل انتهاء اليوم الأول من الرباط على باب العامود أعلن المقدسيون نصرهم وأعيد لباب العامود هيبته القديمة التي كان عليها ما قبل عام 2017، ويؤكد المقدسي حقيقة ثابتة لا تتغير وهي أن " القدس إلنا" مهما تغير كل شيء.