بقلم : مؤمن بسيسو
ماذا وراء إفشال حركة فتح لجولة الحوار الأخيرة في دمشق؟
ما جرى في دمشق يكشف عن خلل خطير في أولويات "فتح"، وانحراف أكثر خطورة في بوصلتها الوطنية.
لا تكمن العقدة في الملف الأمني كما يقولون، بل إن "فتح" تراجعت دراماتيكيا عن التفاهمات التي أُنجزت في جولة الحوار الأولى في دمشق بتاريخ (24-9)، واعتمدت أسلوبا بهلوانيا في تبرير تراجعها وانكفائها الذي يعني هذه المرة الكثير الكثير.
في دمشق لم تعد الأمور أدراجها إلى المربع الأول، بل إن "فتح" أعادتها إلى نقطة الصفر، وسدّت السبل أمام كل الآمال التي عُلّقت فلسطينيا وعربيا وإسلاميا على إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام.
لم تكن نقاشات ومحاورات أعضاء وفد "فتح" الحواري تعبّر عن نفس وطني وحدوي، أو التزام وطني قيمي بالدوران في فلك المصلحة الوطنية، بقدر ما عبّرت عن نزعات فصائلية عصبوية رخيصة، وتماهٍ كامل مع التدخلات والاشتراطات الخارجية.
لا يمكن تفسير حال التناسق الفظ بين أعضاء وفد "فتح" لإفشال مضمون اللقاء الحواري، وترتيب الأدوار الذي لعبوه للنزول عن سلم التوافقات الأخيرة في جلسة (24-9)، إلا كونه استجابة تامة للتهديدات والتدخلات الإسرائيلية والأمريكية التي حذرت "فتح" من إنجاز المصالحة في هذه المرحلة في ضوء قوة "حماس" الواضحة وبنيانها المتماسك، سياسيا وعسكريا واجتماعيا.
لا حاجة إلى كثير من التحليل لسبر أغوار تنصّل "فتح" من استحقاقات المصالحة، فالمشهد الراهن في سياقاته المباشرة يؤشر إلى أن موازين "فتح" قد انقلبت بشكل كامل عقب زيارات عمر سليمان وأحمد أبو الغيط لرام الله، وإثر التهديدات الإسرائيلية التي حذرت "أبو مازن" وسلطة رام الله من اجتياح الضفة الغربية وإعادة احتلالها فيما لو تم إشراك واستيعاب "حماس" ضمن أي صيغة لترتيب الملف الأمني في الضفة.
لكن النظرة الأكثر عمقا وشمولية تؤكد أن قرار "الفيتو" الإسرائيلي والأمريكي الذي حمله وسوّقه العراب المصري في وجه المصالحة كان قرارا استراتيجيا بكل معنى الكلمة، وأن مفاعيله ستبقى دائرة ما بقيت "حماس" قوية، وما بقيت قادرة على التأثير في المعادلة الفلسطينية الداخلية وتحريك الأحداث في إطار المشهد السياسي والوطني الحالي.
وإذا ما ربطنا –بكل تجرد وموضوعية- إفشال "فتح" للمصالحة الداخلية على إيقاع "الفيتو" الإسرائيلي والأمريكي، مع التهديدات والتحضيرات العسكرية الإسرائيلية لضرب حماس، فإننا نستطيع حينها استخلاص النتيجة الأهم التي تحملنا إلى عدم توقّع أي حراك جدي في ملف المصالحة إلا بعد ضرب "حماس" والإثخان فيها، وتركها منكفئة على ذاتها، وتلعق جراحاتها الدامية بعيدا عن الهموم الوطنية كما يخططون.
من الجرم أن تتواطأ "فتح" مع النظام الإقليمي والدولي بقيادة الإدارة الأمريكية وإسرائيل على ضرب "حماس"، وأن تمنح أعداء شعبنا وقضيتنا شرعية النيل من حركة مقاومة مجاهدة لا زالت تتحدى الهجمة الدولية ضد الفلسطينيين وقضيتهم، وتحافظ على الحقوق والثوابت الفلسطينية رغم كل أشكال الضغط المحن والحرب والحصار.
"فتح" أمام مفترق طرق وطني بالغ الخطورة.. فإما أن تكون في صف شعبها أو ضمن أدوات عدوها.. فماذا تختار؟!