انتهت الحرب وبدأت غزة تنفض الغبار وحدها كالعادة، وفي وقت تتزايد فيه المبادرات لتعمير قطاع غزة والمساهمات الشعبية لإزالة آثار العدوان والدمار، وتستمر السلطة في الغياب عن المشهد الغزاوي.
تنظر السلطة القابعة في رام الله إلى العدوان على غزة على أنه فرصة لاحت لها لاستغلالها سياسياً ومالياً، فقد حركت المقاومة الفلسطينية كل عواصم العالم ودفعت الجميع للتواصل بما فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي اتصل للمرة الأولى برئيس السلطة المهمش محمود عباس، حيث يرى الأخير أن ما جرى قد يشكل مدخلا للعودة للمفاوضات وطريق التسوية الذي دمر القضية الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى يصرح وزير خارجية السلطة رياض المالكي أن وفدا برئاسة رئيس الحكومة محمد اشتيه سيزور ثلاث دول خليجية، خلال الأيام المقبلة، فالسلطة تبحث عن حصاد الدماء والتضحيات.
ولم يحرك أحد عشر يوماً من العدوان الهمجي على القطاع لم يتحرك أي وزير أو مسؤول فلسطيني من رام الله لزيارة قطاع غزة بما في ذلك وزيرة الصحة مي الكيلة التي كان من المفترض أن تتجه لغزة لتعزيز القطاع الصحي الذي تعامل خلال أيام قليلة مع آلاف الإصابات، ويحتاج دعما صحيا كبيرا.
ومع تلاشي دور السلطة تماماً في غزة خلال وبعد العدوان، تلاشت أيضاً دعوات تشكيل حكومة توافق عندما ألغى عباس الانتخابات الفلسطينية، وكان الأولى به أن يطالب الإدارة الأمريكية بالضغط على الاحتلال لإجراء انتخابات فلسطينية بالقدس وليس تشكيل حكومة وحدة بموافقة الشرعية الدولية التي تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن عباس الذي صرح في لقائه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنه مستعد لتشكيل حكومة وحدة وطنية شريطة اعتراف هذه الحكومة بالشرعية الدولية، ما يعني حكومة تمارس التنسيق الأمني والانبطاح للمحتل والاعتراف بالاحتلال وهو بمثابة إقرار بترسيخ مفهوم ارتهان هذه القيادة وسلطتها للاحتلال والغرب، ويؤكد أنها باتت تصطف في جانب آخر بعيد عن الشعب الفلسطيني.
عباس الذي لم يتعلم الدرس من مقاومة غزة، وعلى ما يبدو لم تصل لمسامعه هتافات المقدسيين في الأقصى التي تمجد بالمقاومة وتلعنه شخصياً، ما زال متمسكا بنهجه وعنجهيته.
وكان من المفترض أن يتخذ عباس نهجاً مختلفاً بتشكل حكومة إنقاذ وطني تضم الجميع، لتعيد الاعتبار للمؤسسة الفلسطينية واجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.
ولكن يبدو ان السلطة قد تتجه للمزيد من الضغط على غزة والمقاومة بهدف تقزيم الانتصار الذي جرى ومحاولة الالتفاف على المقاومة والشعب الفلسطيني الذي اصطف خلفها.
كما أن المداولات التي تجري دولياً وإقليميا اليوم لن تكون في صالح المقاومة بل على العكس سيعمل الجميع لمحاولة تحجيم قدراتها، لذا فان مسألة تشكيل حكومة توافق لن تكون سهلة خاصة بعد الشروط التي وضعها عباس.