اعلامي فلسطيني
ثارت وانتفضت الزحوف الفلسطينية الهادرة المتخلصة من اعتبارات ما قد يصيبها، والمتحررة من التفكير في حساب ضرورات تأمين العيش التي أراد عدونا أن يعلو بنيانها في دواخلنا نحن الفلسطينيين، وقد أخطأ العدو التقدير وترك نفسه حبيس الاعتقاد أن هذا سيبقي الشعب الفلسطيني في حالة انصراف عن التصدي لعدوانه التهويدي المتواصل على قدسنا ومقدساتنا، وترك غطرسته تغرق في أوهام انفكاك أبناء شعبنا في أراضينا المحتلة عام 48 عن فطرتهم الفلسطينية، تلك الفطرة التي تتعرض منذ 73 عاما لمخططات الأسرلة، لكنها أحاطت نفسها بجدار وطني صلب فبقيت صامدة متمسكة بجذورها التي ظلت تسقيها بماء الانتماء لفلسطين، حتى جاءت لحظة التمرد على الصمت والانفصال عنه، ولكن هذه المرة بحراك الثائرين الذين فاضت بهم وفرحت بصنيعهم شوارع اللد، وعكا، وأم الفحم ومختلف مدننا المحتلة التي توشح أبناؤها بعلم فلسطين، وهتفت حناجرهم للمقاومة.
هنا وقف الاحتلال مشدوها تدور عينه كالذي يُغشى عليه من عظم خطر ما رأى، ولم تكن ضفتنا بعيدة عن ساحة الفعل الفلسطيني الثائر على إجرام الاحتلال بحق القدس وأهلها، لكن وللأسف الشديد وكالعادة اصطدمت هبتهم بالخدمات الأمنية التي تقدمها أجهزة السلطة الأمنية للاحتلال الذي يعتاش أمنيا على هذه الخدمات، فعقيدة هذه الأجهزة الأمنية لم تحرم شعبنا بالضفة فقط من مدافعة الاحتلال ومستوطنيه، بل حرمتهم من كل ما يجعلهم ذوي قدرة على الصمود والدفاع عن أنفسهم أمام عدوان قطعان المستوطنين، وقد رأينا كيف ينعم المستوطنون بمغانم غياب المقاومة المسلحة، فنحن اليوم أمام مستوطن متغطرس استغل هذا الأمن للتعبير عن فطرته العدوانية وجنوحه الدائم إلى الاعتداء على أمن وسلامة الفلسطيني وممتلكاته، بغرض إجباره على النزوح وترك أرضه التي يمنع بصموده فيها نمو وتمدد المستوطنات التي ما كان لها أن تتمدد وتنمو على النحو الذي نراه لولا إصرار عباس على تجريد أبناء شعبنا بالضفة حتى من أبسط متطلبات صد ضربات المستوطنين الوحشية التي تُسدد إليهم.
لقد أدخلت المناصب والإغراءات والامتيازات قادة التعاون الأمني بالمقاطعة في حالة ترف وبذخ أنستهم أننا شعب نعيش تحت الاحتلال، لكن شعبنا بالضفة لم ولن ينسى أن هناك أرضا يجب تحريرها من الاحتلال، ومن المؤكد أن كل ما تمارسه أجهزة عباس الأمنية بحق المقاومة في الضفة ما هو إلا عملية تخدير لمخالب وأسنان المقاومة التي يستحيل اقتلاعها طالما وُجد الاحتلال، ولنحفظ جميعا القاعدة الوطنية التي ثبتتها تجارب الشعوب التي سبقتنا وعاشت ظلم الاحتلال، لا زوال للاحتلال، إلا بالسلاح والرجال، وانطلاقا من هذه القاعدة فمطلوب من الكل الفلسطيني مواصلة السير في مسيرة الإعداد والتجهيز لمعركة اقتلاعه وكنسه من أرضنا التي خصها المولى عز وجل ببركته، وأودع في نفوس هذا الجيل المبارك ما تقتضيه أبجديات بلوغ هذه الغاية، غايةُ تحرير فلسطين التي كان لسيف القدس المؤَيد بتوفيق الله الفضل العظيم في قشع ضباب الوهم والخداع الذي حجب عنا رؤيتها بوضوح وهي تسارع الخطى نحو التحقق.
ما أدخلنا في دائرة الاطمئنان واليقين أننا سائرون إلى حيث النصر المبين؛ تأييد وتوفيق الله الذي نراه يشملنا في كل معاركنا مع هذا المحتل الغاصب، وصلابتنا المستندة إلى قوة إرادتنا وصبرنا وعزيمتنا، وهذه هي أخلاق الشعوب الثائرة، التي تسكن في نفوس عموم شعبنا بمناسيب أفشلت كل محاولات تجفيفها رغم وحشية وبشاعة العدوان المتكرر الذي تعرض له طيلة عقود صراعنا مع هذا العدو الاستثنائي في كل ما يمارسه من إجرام.