يبدو أن السياسيين وخبراء الاقتصاد لم يتعلموا الكثير من الدروس من انفجار فقاعة سوق العقارات والائتمان في الولايات المتحدة عام 2008، وهو ما يفسر الاستمرار في سياسة التيسير الكمي التي تُنذر بانهيار اقتصادي مؤلم.
في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" (national interest) الأميركية، يقول الكاتب ديزموند لاكمان إنه في الوقت الذي يشهد فيه العالم ارتفاعا في الأسعار وانفجار فقاعة ائتمانية أكبر من تلك التي عرفتها الولايات المتحدة خلال الأزمة الماضية، لا تزال البنوك المركزية الرئيسية في العالم تصر على سياساتها النقدية المتساهلة وتتعامل مع الوضع بشكل غير جدي، بينما صمت مُطبق يُخيّم في الأوساط الأكاديمية.
ويتلخص السبب الأساسي الذي أدى إلى انفجار الفقاعة العالمية الحالية -حسب الكاتب- في الحفاظ على سياسة أسعار الفائدة الصفرية واستمرار شراء السندات بشكل غير مسبوق من قبل البنوك المركزية الرئيسية.
في أعقاب إفلاس بنك ليمان في سبتمبر/أيلول 2008، استغرق الأمر 6 سنوات حتى يقوم بن برنانكي (رئيس مجلس الاحتياطي المركزي السابق) بزيادة حجم الميزانية العمومية للاحتياطي الفدرالي بمقدار 4 تريليونات دولار، لكن في أعقاب تفشي فيروس كورونا، اتخذ جيروم باول (الرئيس الحالي للمجلس) قرارا مماثلا في أقل من عام.
وخلال العام الماضي، زاد البنك المركزي الأوروبي حجم ميزانيته العمومية من أقل من 5 تريليونات دولار قبل الوباء إلى 9.5 تريليونات.
فقاعة الأسعار العالمية
ويرى الكاتب أن فقاعة الأسعار العالمية هي إحدى تبعات الوتيرة السريعة وغير المسبوقة لطباعة النقود في البنوك المركزية ومثالا على ذلك، فإن تقييمات الأسهم الأميركية اليوم تزيد حاليا على ضعف متوسط سعرها التاريخي.
وهناك نتيجة أخرى من نتائج سياسة التسهيل الكمي، تتمثل في فقاعات سوق الإسكان حول العالم. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، وصلت أسعار المنازل حاليا بالقيمة الحقيقية إلى مستوى قريب من أسعار عام 2006 أي ذروة سوق الإسكان السابقة.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق -وفقا للكاتب- هو انتشار فقاعات الائتمان العالمية نتيجة للتساهل في منح القروض. فرغم ارتفاع مستويات الدين العام بشكل قياسي في الأسواق الناشئة وتضرر ميزانياتها بشدة في أعقاب تفشي الوباء، ولا تزال هذه الدول قادرة على اقتراض مبالغ كبيرة بأسعار فائدة مغرية نسبيا.
وفي إيطاليا، مازالت الحكومة -رغم ارتفاع مستوى دينها لأول مرة منذ 150 عاما- قادرة على الاقتراض بسعر فائدة أقل مما تقترض به الحكومة الأميركية. وفي ظل تدفق السيولة النقدية عالميا، تمكنت الشركات الأميركية والأوروبية -التي لا تتمتع بمستوى جودة ائتمانية عال- من الاستمرار في الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة نسبيا.
تغيير السياسات قبل الانهيار
ويعتقد الكاتب أن العامل الأساسي في تأجيج فقاعة أسعار الأصول وسوق الائتمان هو الاعتقاد بأن أسعار الفائدة سوف تظل عند معدلاتها الحالية المنخفضة إلى أمد بعيد، غير أن السياسات الحالية قد تخلّف معضلة حادة للاحتياطي الفدرالي.
وإذا اختار المركزي الأميركي رفع أسعار الفائدة والحد من سياسة شراء السندات، فإنه يخاطر بتفجير فقاعة أسعار الأصول على نطاق عالمي، ويسبب مشكلة للبلد وللنظام المالي العالمي مثلما حدث عام 2009. أما إذا لم يكبح الاحتياطي الفدرالي جماح سياسة التيسير النقدي، فإنه يخاطر باستمرار تضخم الأسعار، وهذا سيمهّد بدوره لأزمة حادة قد لا يستطيع الاحتياطي الفدرالي إيقافها في الوقت المناسب.
ويختم الكاتب تقريره في "ناشونال إنترست" بالقول إن من مصلحة الولايات المتحدة أن يبدأ الاحتياطي الفدرالي بتشديد سياساته المتساهلة بشكل عاجل لتفادي ارتفاع حاد في معدلات التضخم، وتخطي الأزمة الحالية بأخف الأضرار.
المصدر : ناشونال إنترست