الشهيد شاهين زُف في عرس صديقه أحمد

الشهيد شاهين زُف في عرس صديقه أحمد
الشهيد شاهين زُف في عرس صديقه أحمد

الرسالة نت-رشا فرحات

هناك مقولة للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله :" “أتعرفين يا أمنة متى يستسلم الإنسان؟ يستسلم الإنسان حين ينسى مَن يحب ولا يتذكر سوى نفسه"  لعلها تتطبق على أحمد الأشقر، العريس الذي احتفل بعرسه قبل يومين، بعد شهر من استشهاد صديق عمره.

ببساطة نحن بحاجة لأن نقول للمحتل بأننا نفرح، ونخلق من بين الدموع عرسا، لأننا نعلو فوق كل شيء، ولا يعلى علينا، نقف فوق قمم الردم، ولا نسمح لها بأن تدفن حبنا للحياة، ومن بيت الشهيد يمكننا أن نخرج ألف زفة عرس.

هكذا آثر أحمد الأشقر صديقه، وبدل أن يزف هو عريسا، زف صديقة الشهيد محمد شاهين عريسا، فقد كانا على موعد أن يزف محمد صديقه أحمد الأشقر من بيته، صديق العمر، ولكن الحرب قصفت الفرحة ، استشهد محمد شاهين، وأصر صاحبه أن يزف من بيت الشهيد كما وعده صديقه قبل استشهاده، ليقول أنه لن يستسلم، وبأننا جميعنا لا نستسلم.

فرح وحزن، ذلك التناقض الذي لا يمكن لك أن تراه إلا في المشهد الفلسطيني، أساطير الفرح والحزن، والإصرار على الحياة، فهنا دموع، من بين الرقص وزفة العريس، وأصوات الشباب المرددين:" يا أم محمد نيالك ياريت أمي بدالك " آمنيات الشهادة في زفة عرس،  ثم تعلو الزغاريت، وتطلقها أم الشهيد.

إنها ازدواجية الفرح والحزن في القلب، طريقة أخرى من طرق المقاومة، لا يتقنها سوى أهل غزة، لا يتقنها سوى أصحاب الإرادة التي لا تعرف الاستسلام، فهنا لا ترى أما تصرخ على فقد ابنها، ولا عويلا، ولا لطما، هنا نقابل الأحزان بالأفراح، والأفراح بالدموع، وكل الدموع هنا دموع رضى، مغلفة بالصبر، وتزينها الزغاريت.

غلبت الدموع العريس المزين ببدلته السوداء، وقطعت أصوات والد الشهيد:" ولا يهمك، صبوا القهوة للشباب" ووزعوا الحلوى" ثم أعاد الشباب الأغنية مرة بعد مرة، مخاطبين أم الشهيد:" ياريت أمي مكانك، يا أم محمد نيالك" ثم، من بين دموع أحمد زف صديق عمره وهو يحمل صورته إلى جانبه، ومن بين فرحته المنقوصة أصر على حضور الغائب بروحه.

نشأ محمد في عائلة مناضلة وتربى منذ صغره على مفاهيم المقاومة والنضال والجهاد، فوالده قضى عمرا في الاعتقال وعمه أيضا، ونذر نفسه للمقاومة منذ أن أنهى الثانوية العامة، وكان معروفا بثقافته وهدوءه وكان :" قليل الكلام كثير الفعل " كما يقول والده، فلم يعرف أحد طبيعة عمله 

هذا الاحتلال لا يعلم أننا لا نهزم بأي صواريخ، ولا بطائرة أو دبابة، نحن نفرض الفرح فرضا حتى على جنائزنا، ونقاوم بالأعراس التي تمتد في شوارعنا ونتشارك رغما عن بعضنا البعض فرحاتنا وأحزاننا، لأننا لا نهزم .

لقد كان الد محمد شاهين الشهيد البالغ من العمر السابعة والعشرين يحلم بأن يزوج ابنه، وبأن يزفه ويفرح بأحفاده، كان يكتم غصة لم تخفيها كاميرات المحتفلين، ولكنه قدّر لصديق ابنه إصراره على مشاركة صديقه الشهيد، فشاركه فرحته، لأنه يعلم تماما، أن محمد الذي جهز بدلة عرس صديقه كان سيطير فرحا وهو يوزع الحلوى في عرس أحمد.

 ثم في النهاية والبداية، هذه هي طريقة الغزيين في التعبير عن الفرح، و الفرحة التي تملأ بيوت الغزين، دائما مخلوقة من غصة، وفي كل بيت صورة معلقة لشهيد كان يود مشاركتهم مراسم الفرح، لكنه رحل قبل الموعد.

البث المباشر