بلا مؤسسات رقابية ومع مؤشرات هي الأعلى بين الدول العربية، تتصدر السلطة الفلسطينية مشهد الفساد وغياب الرقابة والمحاسبة والنزاهة.
ملفات متكدسة تراكمت عبر سنوات بلا رقيب أو حسيب بعدما غيبت السلطة دور الجهات الرقابية وباتت سلطة الشخص الواحد، وهيمنت مؤسسة الرئاسة على كل المؤسسات، بما يضمن حماية الفاسدين وإلغاء الرقابة.
غياب الرقابة أدى لتفشي الفساد في دوائر السلطة حتى باتت السلطة الفلسطينية تحتل المركز الثاني في مقياس الفساد العالمي للمنطقة العربية بعد لبنان، في غالبية مظاهر وأشكال الفساد على مستوى الدول العربية، التي يراها المراقبون بأنها الأخطر؛ لأنها ما زالت في طور النشوء ومرحلة التحرر الوطني.
مؤشرات الفساد في السلطة متوقعة ومعروفة لدى أبناء الشعب الفلسطيني الذين عبر النسبة الغالبة منهم على استمرار فقدانهم الثقة، حيث يشكو معظم الشعب الفلسطيني من أن حجم الفساد في السلطة الفلسطينية لا يزال كبيراً وفي ارتفاع، وذلك بحسب استطلاع للرأي أجراه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان).
وقال "الائتلاف" إن "الفلسطينيين غير مقتنعين بجدية جهود مكافحة الفساد، ويشـككون باستقلالية هيئة مكافحته ويعتقدون بتأثرها بالسلطة التنفيذية".
وقد شكلت صفقة لقاح فايزر أحد تجليات ظاهرة الفساد الذي ينخر في دوائر السلطة، حيث أعلنت السلطة الجمعة عن إلغاء صفقة لقاح "فايزر" مع الاحتلال الإسرائيلي، وجاء إلغاء السلطة للصفقة عقب الضجة الكبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي والاحراج الكبير الذي وقعت به بسبب تلقيها لقاحات غير مطابقة للمواصفات، في حين سيتسلم الاحتلال لقاحات جديدة اشترتها السلطة.
وكان من المفترض أن تبقى الصفقة الفاسدة طي الكتمان حيث تغامر السلطة بأرواح المواطنين الذي يأملون بأخذ التطعيم ضد لقاح كورونا لحماية حياتهم، وذلك بعد أن تلقى كل المتنفذين في السلطة وذويهم والمقربين منهم اللقاح فور وصول الدفعات الأولى منه الأراضي الفلسطينية.
وكشفت الفضيحة أن الاحتلال اتفق مع السلطة على القيام بصفقة تبادل للقاحات كورونا، يجري بموجبها تحويل قرابة مليون و200 ألف جرعة لقاح فايزر ستنتهي فعاليتها قريبًا وفي المقابل ستتلقى (إسرائيل) شحنة اللقاحات القادمة التي خصصتها شركة فايزر للسلطة والتي تحتوي على الكمية ذاتها من جرعات اللقاح.
ومن الواضح أن الفضيحة الكبرى كانت السبب وراء إلغاء الاتفاقية خاصة أن الحكومة أقرت بمعرفتها أن اللقاحات ستنتهي فعاليتها قريباً، وكالعادة لن تشهد القضية أي رقابة أو تشكيل لجان تحقيق لمعرفة ملابسات الفضيحة ومحاسبة المسؤولين عما جرى، فقد همشت السلطة دور الجهات الرقابية بدءاً من المجلس التشريعي مروراً بديوان الرقابة المالية والإدارية وصولاً لهيئة مكافحة الفساد.
وقد شكل تعامل السلطة مع ملف كورونا منذ بداية الأزمة ملف فساد كبير خاصة فيما يتعلق بتوزيع المساعدات والتلاعب في توزيع اللقاحات والتي أثارت الرأي العام ضد السلطة.
وشهدت مسألة توزيع اللقاح أزمة كبيرة في الضفة الغربية بعدما تم توزيع اللقاحات على كبار المسؤولين من مجلس الوزراء والرئاسة وتجاهل المرضى وكبار السن والفئات الأكثر حاجة للقاح.
وكان الائتلاف الفلسطيني من أجل النزاهة والشفافية (أمان)"، اتهم وزارة الصحة بالمحسوبية في توزيع اللقاح، وأنه يجري توزيع لقاحات كورونا "خارج إطار خطة واضحة ومنشورة وفي إطار من المحسوبيات والعلاقات التي تسعى إلى المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
صفقة اللقاحات الفاسدة وغياب العدالة في توزيع اللقاحات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة للسلطة، فقد سبقتها فضائح من العيار الثقيل لم تحرك لدى دوائر السلطة ساكنا ولم تجر بعدها أي محاسبات، من ضمنها ما جرى في مسجد مقام النبي موسى.
ففي يناير الماضي جرت فضيحة مكتملة الأركان هزت مواقع التواصل الاجتماعي بالكشف عن إقامة حفل ماجن في مسجد ومقام النبي موسى قرب أريحا في الضفة المحتلة، بترخيص رسمي من وزارة السياحة والآثار، شكلت تدنيسا للمكان وأثارت مشاعر المواطنين.
وتحت وطأة الفضيحة، والغضب الشعبي، أعلن محمد اشتية رئيس الحكومة تشكيل لجنة تحقيق، فيما جرى في مقام النبي موسى، وخرجت إلى تحميل جهات رسمية مسؤولية إقامة حفل موسيقي صاخب داخل معلم تاريخي وديني، فقد حملت اللجنة، في بيان، وزارة السياحة والآثار "المسؤولية الإدارية عن منح إذن ليس من اختصاصها بإقامة عروض وحفلات إلكترونية في موقع يتبع لوزارة الأوقاف وعدم تقدير حساسية الموقف".
كما حملت اللجنة في تقرير رفعته لرئيس الوزراء، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية "المسؤولية الإدارية عن غياب إجراءات الحراسة بالمكان" وطالبتها "بالعمل الفوري على تأمين حراسة لائقة".
نتائج لجنة التحقيق لم تر النور ولم نشهد أي إجراءات لمعاقبة الجهات المسؤولة عن الفضيحة، وما زال وزيرا السياحة والاوقاف على رأس عملهما، وهو أمر متوقع في ظل سلطة تسبح في بحر من الفساد.
وقبل عدة شهور وقبيل اصدار مرسوم الانتخابات في 15 يناير المنصرم شهدت أروقة السلطة هزة كبيرة حينما بدأت الرئاسة الفلسطينية حملة تغييرات لرؤساء عدد من الهيئات المالية والرقابية تحديداً ضمن ما يوصف بحسم مراكز القوى داخلها لصالح كبار الفاسدين لحمايتهم.
وشملت تلك التغييرات رئيس مجلس إدارة صندوق التقاعد العام، ومحافظ سلطة النقد الفلسطينية ورئيس هيئة مكافحة الفساد، بالإضافة إلى إلغاء ودمج 30 هيئة حكومية عقب تأسيس مصرف حكومي للاستثمار والتنمية، وذلك بهدف ضمان سيطرة فتح على الهيئات الرقابية والمالية من أجل الحفاظ على قياداتها في حال خسرت الانتخابات وضمان عدم محاسبتها في المستقبل.
في يونيو 2020 وفي ذروة أزمة كورونا التي أدت لتراجع كبير في الوضع الاقتصادي وحديث السلطة عن أزمة مالية جعلتها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها لمدة 70 يوما، ساد الغضب والاستياء مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة ترقية أقارب قياديين ومسؤولين بارزين في حركة "فتح" ومسؤولين في السلطة الفلسطينية، في مناصب عُليا بوزارة الصحة الفلسطينية.
وقد أعلن اشتيه في حينه أنه تجري مراجعة وتدقيق لكل ما يجري في كافة الوزارات بغية تصويبه، لكن فرص التصويب وتصحيح الأوضاع في سلطة تحت حكم رئيس ديكتاتور يهيمن على كل السلطات ويخترق القانون يوميا وتتراكم ملفات الفساد حوله وأبنائه والمقربين منه تبدو معدمة، فلا مكان في سلطة عباس سوى للفاسدين.