نزار بنات.. كلمة الحق حتى النفس الأخير 

نزار بنات
نزار بنات

الرسالة نت-رشا فرحات

"صارت القصة يومين ثلاثة وبعدين بننساه، ما في حدا بطلع على حق الجميع كل واحد بطلع على مصلحته، أيها النائب العام أكرم الخطيب، تفضل طبق الحق العام في موضوع اللقاحات".

كانت هذه إحدى رسائل الناشط السياسي نزار بنات والتي وجهها في بثه المباشر عبر صفحته على فيس بوك، قبل أيام، وربما كانت هي الرسالة التي قتلت نزار، والتي دفعت خمسة وعشرين عسكريا في الشرطة الفلسطينية أن يفجروا باب البيت، ويدخلوا ليجروا نزار بنات من فراشه، ويعروه من ملابسه ويضربوه ثم يقتادوه إلى جهة غير معلومة، حسب ما أخبرنا ابن عمه في مكالمة له مع "الرسالة".

لم يعقد نزار بنات موعدا مع ملك الموت كما ادعى بيان محافظ الخليل الذي استيقظ فجرا هو الآخر ليصيغ بيان وفاة نزار، فضيحة أخرى حينما تبرر القتل أمام القتيل! ليقول إنه توفي بكل بساطة أثناء اعتقاله!

آخر ما نشره الناشط السياسي نزار بنات كان تضامنا مع جبل صبيح وقرية بيتا، شارحا بالتفصيل تاريخ الثأر بين المحتل وقرية بيتا، ساردا بثقافته العالية ووعيه الكامل وبحثه الدؤوب ذات  عن معلومات مهمة كما عودنا دوما.

في كل قضية كان لنزار بنات بصمة، فيها صوت الحق بدون مواربة أو تزيين أو تبطين بكلمات لا تلف ولا تدور، كان يقول للخائن خائنا بالحرف، وللأعور أعورا، وللبائع بائعا، مستخدما سخريته القوية القاسمة لظهر الحاكم الجائر.

كالبرق يأتي صوته في كل قضية وكذلك فعل في قضية اللقاحات، صفقة بيع الدم الفلسطيني التي عقدتها السلطة مع القتلة، اتفاقية أوسلو أخرى لبيع الحق في علاج يناسب كرامة مواطن يحكمه عباس، ساخرا من لجة التحقيق التي أمر بتشكيلها محمد شتية.

كلامه القوي الذي لم يلتزم الصمت ولو للحظة واحدة رغم الاعتقال ولم يطالب باللجوء السياسي، بل ظل مجابها القتلة وجها لوجه، وهو يعلم تماما ما معنى أن تظل مقيما مع القاتل في الدار ذاتها، فلم يغادر ولم يجبن يوما، وهو الذي لم يشعر يوما بالأمن، وكان يعتقد أن هذا اليوم آت لا محالة.

أحد أصدقاء الناشط بنات قال في شهادته: "لقد تعرض منزل بنات قبل شهرين لإطلاق نار من مجهولين، واعتبر نفسه مطاردا منذ زمن، واليوم صباحا استقبلت الخبر عبر إحدى الإذاعات المحلية ببيان محبوك من محافظة الخليل، توجهت لمستشفى الخليل الحكومي وسألتهم هل أتاكم مريض باسم نزار بنات، فأخبروني أنه لم يصلهم أحد بهذا الاسم!"

وجهت العائلة ثلاث سيارات لمستشفى الخليل الحكومي، والمستشفى الأهلي، ومستشفى الميزان، ثلاث مستشفيات رئيسية بحثوا فيها عن جثة نزار بنات ولم يجدوها.

ويضيف الصديق الذي يعمل طبيبا: "طلبت من الشرطي الواقف في حراسة المستشفى أن ألقي نظرة وداع على صديقي، فأخبروني أنه لم يصلهم مريض بهذا الاسم، وهذا يعني أن كلام المحافظ كذب.

يتابع: "وكانت الساعة السابعة والنصف حينما وصلت إلى المستشفى، فإذا كان مات في المستشفى لكان لدى المستشفى علم، ولكانت جثته في الثلاجة".

الناشط والمحلل السياسي عماد عواد عقب على مقتل بنات قائلا: "يجب أن نتكلم بصراحة، نحن وصلنا إلى مرحلة غير مسبوقة من الاستهانة والتغول في الضفة، نزار الصديق صاحب الوقفات وحامل هم الوطن، وروح التحدي وهو يعرف، فقد قال: "أنا في أي لحظة ممكن أموت، مش مهم كتير، المهم أن أشعر بأن أولادنا بخير بعدنا".

نزار المرشح للمجلس التشريعي، يقتل بدم بارد، على يد عشرين عسكريا فلسطينيا صادروا مقتنيات منزله، وضربوه، ويتساءل عواد: حينما يضربك عشرون شخصا، طبيعي أن تموت، أن تقتل، بأياد فلسطينية، وبغض النظر عن الروايات التي سيخرج بها الأمن الفلسطيني، الحقيقة الوحيدة أنه اغتيل بيد الأجهزة الفلسطينية.

ويلفت عواد إلى أن ما وصلت إليه الأوضاع في الضفة يعتبر منزلقا خطيرا، مضيفا: "اعتقالات بالجملة، تهديدات بالجملة، استدعاءات بالجملة وكأن الأمن الفلسطيني لا يرى أحدا، وبعد حالة الوحدة الوطنية التي تجسدت على الأرض في الضفة الغربية بعد الحرب الأخيرة على غزة لم يرق له ذلك وكأنه يريد للانقسام أن يبقى، وللرعب أن يبقى وحالة الهوس الأمني أن تبقى".

ويختم عواد: "اليوم نزار بنات يقتل بدم بارد، وهناك الكثيرون غيره يمكن أن يتعرضوا لما تعرض له ، اليوم نزار، وغدا أنا وغدا ابن عمك، أو ابن خالك، نحن لسنا لقمة سائغة لكل من أراد أن يعبث بأمننا.

هذه الحالة التي تريد السلطة أن توصلنا لها لن نصل لها، وسنتوحد ونلفظ كل من يتآمر على قضيتنا.

فريد الأطرش، الحقوقي في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان قال أن هذا يوم أسود في تاريخ السلطة الفلسطينية، وعمل مخز، وهناك معلومات وردت بأن نزار قتل على يد القوة التي اعتقلته وسحبته وضربته حتى خلال الاعتقال داخل السيارة، والتشريح سيتم بحضور الهيئة والمؤسسات الحقوقية، مطالبا بأن لا تمر القضية مرور الكرام وبأن يشارك في التشريح جميع المؤسسات الحقوقية".

ولفت الأطرش إلى أن جثمان نزار حول إلى أبو ديس وتحديدا إلى المعهد الطبي العربي الذي سيكون مسؤولا عن التشريح.

 واعتبر أن ما حدث اغتيال سياسي، مطالبا بمحاسبة كل المنظومة التي شاركت في عملية الاغتيال، لافتا إلى أن مؤسسة الضمير، ومؤسسة الحق، والهيئة المستقلة ستشارك وتنتدب طبيبا من العائلة لحضور التشريح والحصول على المعلومات كاملة بالتفاصيل.

نزار بنات متزوج وأب لخمسة أطفال، يسميه أصدقاؤه" أيقونة" لما كان عليه من إقدام وجرأة، وقد كان يعلم أنه سيغتال، وكان يتعامل مع هذه الحقيقة بروح شجاعة، روح من يريدون أن يموتوا متمسكين بكلمة الحق حتى النفس الأخير.

البث المباشر