عينان خضراوان حادتان كانتا تنطقان قبل اللسان، غالبًا ما تكون العيون كاشفة، تعكس معدن الشخص الذي يقف أمامك دون حاجتك لسماع صوته، عيون نزار باتت اليوم لعنة!
"لأ" واحدة قالها الناشط السياسي نزار بنات ودفع ثمنها غاليًا، كانت الروح هي الثمن هذه المرة.
"لأ" قالها مرة، ثم أكد لنا مرارًا "أنا ما بحكي إلا عشان ولادي بكرا يعيشوا بكرامة"!
في جعبة نزار "لأ" واحدة، لا يحمل غيرها سلاحًا، تعلمنا منه أن الشجاعة هي أن تقول "لأ" أمام الخائن، والأفضل أن تموت وأنت متمسك بـــ"لأ".
رأسٌ عنيدة!
من اعتقالٍ، لسجنٍ، لمحاولة اغتيال، يمر أمامك الآن شريط حياته، ثم يقفز في وجهك مصيره الذي بات حقيقيًا، بعد عدة محاولات لتصفيته من سلطة نهجها العربدة، وطريق أجهزتها وعر كعصابات الإجرام تمامًا!
من رأس رجل الأمن في مخابرات السلطة بالضفة الذي حطم الباب ليلًا، إلى رأس نزار الذي فج ضربًا لحظة اعتقاله!
رأس نزار عنيدة، نعرفها جيدًا وهي الممتلئة بالأفكار والآراء، موجزة، محنكة، متينة، لا تهتز، ولم تكن يومًا كذلك!
يكره الجبن والجبناء، يقول إنه لا يريد لأبنائه حياة الجبناء، الأمر الذي أكده لنا ذاك الوجه، كان امتدادًا له، لصوته وشجاعته، كان الوجه لزوجته التي عرفت عن نفسها " أنا زوجة الشهيد نزار بنات"!
تصر أمام عدسات الكاميرا بأنه شهيد، وهذا الوصف بنزار يليق، لا رجفة في صوتها، صاحب الحق كذلك، تكمل فتقول: "زوجي لا هو فاسد ولا مختلس ولا جاسوس، يكفي أنه رفع كلمة الحق في هذا الوطن لأقول عنه شهيد"!
الفيديو الأخير!
نعود لتلك الــ "لأ" التي أودت بحياة نزار، بعد أن كبلت حريته وهددت أمنه وأمانه، بعد أن كانت سببًا لإطلاق النار عليه وبث الرعب على مدار سنوات لأطفاله وعائلته!
صوت جريء، أتقن الــ "لأ" الفلسطينية جيدًا، لم يتردد يومًا في ذكر أسماء الفاسدين أو المتورطين، حتى أن زوجته اليوم حذرت أصحاب الحق هنا "ما تسكت، ما حدا يسكت، نزار شهيد غصبن عن الكل، نزار قال كلمة حق"!
عصابات الإجرام في الضفة المحتلة استفزها الفيديو الأخير للمرشح المستقل لانتخابات المجلس التشريعي ومهاجمته للسلطة لإبرامها صفقة اللقاحات منتهية الصلاحية، مرورًا باتهامه رئيس السلطة محمود عباس بالفساد السياسي والمالي لأكثر من مرة.
الصوت الأخير الذي بات الذكرى الأخيرة من المغدور نزار هي جملته "عقلية القيادة الفلسطينية تتاجر بكل شيء منذ زمن، محترفين فساد"!
تأديب!
"أرادوا باغتياله تأديب كل من يفكر بقول لا، وما علموا أنهم بذلك فقدوا كل ما تبقى من حياء وشرعية للبقاء!"، هذا ما نبه إليه مدير المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبدو عبر منشور له عبر حسابه الشخصي على منصات التواصل، كما فعلت زوجته وقالت للجميع مطمئنة: "إذا قتلوا نزار راح يطلع مليون نزار"!
إن الشهيد فكرة، والفكرة لا تموت، معادلة ندركها نحن كفلسطينيين في تجربتنا مع العدو "المحتل"، ولكنها باتت معادلة مؤلمة، حيث أدركناها مع العدو "الشقيق" كذلك!
عينان خضراوان لم تنجو من بطش عصابات الدم في الضفة، لكنهما رسمتا مسارًا مشرفًا للشجعان هناك، ولمن أراد أن يكمل طريق نزار!
"لأ" واحدة ثمنها روح "نزار"!
الرسالة نت- أمل حبيب