تُدرك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن حالة الهدوء في مناطق الضفة لن تدوم طويلا في ظل حالة الغليان داخل الشارع الفلسطيني؛ تزامنا مع تصاعد انتهاكات واعتداءات جيش الاحتلال (الإسرائيلي) ومستوطنيه على المناطق الفلسطينية.
ومع تكرار حوادث إطلاق النار على دوريات الجيش، فإن الخشية تتولد لدى الاحتلال من تصاعد هذه الحوادث وامتدادها لمناطق مختلفة من الضفة المحتلة، الأمر الذي يشكل معضلة وتحديا من شأنه أن يدفع باتجاه انتفاضة مسلحة مجددا.
واندلع اشتباك مسلح في مدينة جنين، فجر السبت، إثر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي أحد أحياء المدينة، وهو الاشتباك الثاني خلال أسبوع.
وقالت مصادر محلية، إن وحدات خاصّة من "المستعربين" استخدمت ثلاث مركبات فلسطينية لاقتحام أحياء البيادر وعز الدين في حي جنين الشرقي، ثم ساندتها دورية عسكرية هاجمها المسلحون بإطلاق النار.
ويمكن القول إن حالة الإحباط التي أنتجها المسار السياسي لدى السلطة انعكست على الشارع الفلسطيني، بالإضافة إلى الاستفزازات اليومية التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين دون أي حماية.
الحالة السابقة قد تدفع باتجاه انفجار الأوضاع الأمنية بالضفة والذهاب باتجاه الخيار المسُلح كونه الوحيد الذي يرى الفلسطينيون نجاعته في استرداد الحقوق والتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وفق ما أثبتته معركة سيف القدس الأخيرة بين المقاومة والاحتلال في قطاع غزة.
قلق وخشية
وحول ذلك فإن الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونت أليئور ليفي يقول إنه بينما انتهت الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وخفت حدة التوتر حول المسجد الأقصى، لكن التوتر والعنف في مختلف مناطق الضفة الغربية ما زال مستمرا، ففي مايو الماضي وحده، قُتل 34 فلسطينيًا في هجمات مسلحة واشتباكات مع قوات الاحتلال، وهو العدد الأكبر خلال السنوات الخمس الماضية، ما قد يعني أننا ننتقل إلى ما يشبه "الانتفاضة الصامتة".
ويزعم أليئور ليفي في تقرير له، أنه "مع تحول الأضواء عن قطاع غزة خلال الشهر الماضي بعد انتهاء الحرب التي استمرت أحد عشر يوما، فإن الضفة الغربية تغمرها أعمال عنف متواصلة منذ بدء عملية "حارس الأسوار".
ويشير إلى أن هناك ازديادا ملحوظا في عدد الهجمات المسلحة التي ينفذها الفلسطينيون، والاشتباكات والمظاهرات والاضطرابات بالضفة بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية".
ويضيف أن "فحص الاشتباكات الميدانية يظهر أن انتشارها لا يقتصر على منطقة فلسطينية معينة، بل يشمل جميع أحياء الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب، ولذلك فقد رأينا أعلى عدد للشهداء الفلسطينيين في شهر واحد خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وبالمقارنة، فقد قُتل فلسطيني واحد فقط في الاشتباكات التي جرت مع القوات الإسرائيلية في شهر ابريل الذي سبق حرب غزة، ولم تقع إصابات على الإطلاق في مارس، وقُتل فلسطيني واحد فقط في فبراير".
وذكر الكاتب الإسرائيلي أن أسباب ما وصفها بـ "الانتفاضة الصامتة" تتنوع بين الفلسطينيين، أولها أن السلطة فقدت الكثير من شرعيتها العامة بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية، وكانت النتيجة زيادة التعاطف مع حماس كما ظهر في استطلاع نشر الأسبوع الماضي، وثانيها أن هناك مستوى آخر يتعلق بالتوتر المحيط بالمسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وثالثها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة".
تصاعد الغضب
بينما يرى الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات، أن تكرار الاشتباك المسلح وإطلاق النار يأتي في ظل تصاعد الأوضاع واحتمالية انفلات الأمور تزامنا مع حالة الغضب المنتشرة في الضفة ضد السلطة الفلسطينية.
ويوضح بشارات في حديثه لـ"الرسالة" أن الأوضاع في الضفة باتت مختلفة عن السابق بعد أن أعطت معركة سيف القدس دفعة للفلسطينيين، وهي فرصة ترى فيها الضفة أنه يجب أن يكون لها دور في تحريك المياه الراكدة وتصبح لها كلمة بعد أن غيبتها أفعال السلطة.
ويبين أن هناك حالة اندماج وتنسيق بين المقاومة في مدينة جنين التي تختلف تركيبتها عن باقي المناطق الأخرى، وتكرار الاشتباك المسلح يدلل على أن هناك عناصر من المقاومة ترابط عند مداخل المدينة وتتابع دوريات الجيش.
ويلفت إلى أن ما يجري هو حالة طبيعية من العمل المقاوم الذي قد يمتد ويتوسع بعد نجاح المقاومة في الضغط على الاحتلال لإخلاء جبل صبيح جنوب نابلس، مما يشجعها إلى أن تكون مؤثرة في الفترة المقبلة.