استطاعت كتائب الشهيد عز الدين القسام أن تقدم نموذجاً فريداً خلال معركة العصف المأكول التي يصادف ذكراها اليوم السابع من يوليو الذكرى السنوية السابعة، ويعود ذلك للمعارك التي خاضتها مع العدو، واستخلاصها للدروس والعبر وتحويل ذلك إلى سياسات وعقيدة تدريب، وأساليب قتال تُتَّبع بعد كل جولة تصعيد أو حرب.
ولفتت إلى أن خبراء عسكريين شهدوا أن كتائب القسام تستفيد من كل تجربة تخوضها، وفي ذلك يقول قائد استخبارات الاحتلال الأسبق (عاموس يادلين) معلقاً على أداء المقاومة في معركة العصف المأكول : «مرة أخرى، أثبتت حماس أنها منظمة متعلمة، تدرس خبراتها في المعركة, وتطور الدروس, ومن ثم تقوم بتضمينها في كل من عقيدتها القتالية، وقواتها، وعملياتها».
وبينت الكتائب أن إدارة المقاومة لمعركة العصف المأكول قامت على مجموعة من المبادئ، كان أهمها بحسب الموقع:
منظومة قيادة وسيطرة متكاملة:
استطاع سلاح الاتصالات التابع لكتائب القسام الذي كان يقوده الشهيد العطار إنشاء بنية تحتية لقيادة وسيطرة آمنة، بعيدة عن قدرات العدو التقنية، هيأت الظروف لقيادة القسام للقيام بدورها في القيادة والسيطرة على كافة تفاصيل المعركة، إذ كان المجلس العسكري لكتائب القسام بمثابة هيئة أركان حربٍ منعقدة، يدير كافة شئون المعركة بجميع تفاصيلها، وكان القائد العام ويساعده قادة الألوية والدوائر يقود ويوجه جميع القوات منذ اليوم الأول للمعركة وحتى بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ.
الإعداد الجيد للمعركة:
وقد تمثل ذلك في محورين أساسيين:
1- التخطيط المحكم: حيث تميزت خطة المواجهة والعمليات بالفهم العميق لمقومات العقيدة القتالية لجيش العدو والتكتيكات الميدانية والأساليب القتالية المنبثقة عنها، والمعرفة الجيدة لتشكيلات وتسليح العدو من جهة، ومن جهة ثانية فقد تم دراسة كافة السيناريوهات المحتملة بما فيها أكثرها صعوبةً وتعقيداً، ووضع الخطط وتجهيز الميدان وإعداد القوات وفقا لذلك، مما مكن الوحدات والصنوف المختلفة من القيام بمهامها الدفاعية والهجومية على حدٍ سواء في البر والبحر والجو فوق الأرض وتحت الأرض.
التدريب العالي للقوات:
بدأ خوض كتائب القسام لمعركة بناء القوة في شقها البشري تحضيراً لمعركة العصف المأكول منذ انتهاء معركة الفرقان في يناير2009، إذ قامت هذه المعركة على التأهيل الجسدي والفكري والاحترافي للمقاتلين وإعدادهم ميدانياً وأكاديميا، لتمكينهم من أداء مهامهم بكفاءةٍ واقتدار، وقد ظهر ذلك واضحاً في الإرادة القتالية غير المسبوقة لجنود القسام والأداء النوعي للقوات الذي لا يزال العدو يتحدث عنه إلى يومنا هذا، ومن نافلة القول أن معركة الإعداد والتدريب كانت أصعب على المقاتلين من خوضهم لمعركة العصف المأكول ذاتها.
القتال القائم على المعلومات الاستخباراتية:
امتلكت المقاومة بفضل الله منظومة استخبارات تكتيكيةً واستراتيجية، أهلتها لخوض معركةٍ عسكريةٍ ذات تأثير استراتيجي، وبفضلها كان لدى القسام معرفة بقدرات العدو وتحركاته، وأوجدت بنك أهداف عن العدو استخدمته قوات المدفعية، وقوات النخبة، وقوات الهندسة، وقوات مضاد الدروع، وغيرها من القوات، وهو ما اعترف به وزير حرب العدو حين استهدفته مفارز المدفعية في «ناحل عوز» فقال: "يوجد لدى حماس استخبارات قوية تراقب من خلالها تحركاتنا".
امتلاك زمام المبادرة وحرمان العدو منها:
فقد درجت العادة في الصراع مع العدو ان يمتلك زمام المبادرة والضربة الاستباقية على سبيل ما حدث في الفرقان والسجيل إلا أن معركة العصف المأكول كانت تميزت بـإعلان كتائب القسام حالة الطوارئ في صفوفها منذ إعلان العدو عن فقدانه ثلاثة من جنوده في الضفة قبيل الحرب، حيث خلصت تقديرات الموقف المختلفة إلى أن العدو يتجه نحو شن عدوانٍ يبدأ باغتيالات مركزةٍ لقادة من المستويين السياسي والعسكري.
وحذرت التقديرات من قيام العدو بمناورة هدنة تؤدى للاسترخاء يستفيد منها العدو في الضربة الاستباقية، ومع تصاعد الأحداث حافظت الكتائب على حالة التأهب بل وتم رفعها إلى أعلى درجاتها مما أفقد العدو أي إمكانية لتحقيق عنصري المفاجأة والمباغتة.
في المقابل فقد امتلكت كتائب القسام المبادرة وبدأت بمشاغلة العدو عبر الرشق المدفعي لغلاف غزة -دون الإعلان عن ذلك - رداً على جرائم العدو في الضفة والقدس خصوصاً بعد حرق الفتى محمد أبو خضير ومروراً بالرد على اغتيال شهداء رفح وخانيونس في 6/7 و 7/7 بتوجيه ضربةٍ صاروخيةٍ قاسية للعدو، وقد حافظت كتائب القسام على إبقاء زمام المبادرة بيدها وفاجأت العدو على مدار المعركة.
وتجلت مفاجآتها في المجالات التالية:
- البحر (مباغتته في زيكيم ومنعه من الإبرار في السودانية).
- البر (مباغتته خلف الخطوط وتدفيعه ثمناً باهظاً في الحرب البرية)
- المدفعية (وصول الصواريخ لحيفا والطلب من تل أبيب الاستعداد للضربة الصاروخية وإغلاق المجال الجوي والمطار وضرب الحشودات العسكرية وتهجير غلاف غزة).
- الجو (تسيير طائرات بدون طيار استخبارية وقتالية تجاه عمق العدو ونجاح الدفاع الجوي بتحييد الطيران المروحي كمكون هام من مكونات سلاح جو العدو ).
- التصنيع العسكري (ظهور أسلحة وصواريخ جديدةً ومتطورة واستمرار الإمداد والتصنيع خلال المعركة).
- الحرب النفسية والإعلامية (تفوق رواية المقاومة على رواية العدو وتوجيه ضرباتٍ معنويةٍ له عبر الصورة، وفضحه أمام جمهوره والعالم، وفي المقابل الحفاظ على روح معنوية عالية لدى جبهتنا الداخلية).
الإدارة المدروسة للنيران:
نجحت كتائب القسام والمقاومة في إدارة النيران باتزان وزخم واستمرارية وعمق مدروس، كما حافظت على تنسيق ناري عالٍ بين القوات في كل مراحل المعركة وأدارت معارك مساندة على الصعيد الاستخباري والإعلامي والحرب النفسية، وقد اعتمدت في ذلك على أربعة أسس: خطة معدة مسبقا وفقا لسيناريوهات متعددة وتقدير موقف يرى بأن المعركة ستطول والمرونة العالية والتركيز على نقاط ضعف العدو.
وقد استثمرت قيادة القسام ذلك في كسب مساحةٍ جيدة للتعامل مع كافة التطورات الميدانية من جهة، وإدارة وتوجيه القوات والنيران المباشرة وغير المباشرة في كافة محاور التماس وعلى عرض وعمق المناطق الدفاعية مما كان له الأثر البالغ على جبهة العدو الممتدة من حيفا المحتلة شمالاً وحتى ديمونا جنوباً.
تحييد قدرات العدو:
نظراً لتفوق العدو عدة وعتاداً، وامتلاكه لأفضل تقنيات الأسلحة قامت خطة المقاومة على تحييد وسائله الحديثة إلى أقصى حدٍ ممكن، وقد نجحت في تحقيق مبتغاها، إذ تم تحييد قوات الدروع والدبابات من خلال مهاجمة مؤخرة قوات العدو المدرعة بالعبوات الناسفة والقذائف القصيرة المدى.
كما تم تحييد قواته الجوية من خلال الالتحام مع مشاة العدو من نقطة صفر، واستخدام المعابر الوصولية تحت الأرضية -الأنفاق- والقتال في المناطق المبنية بشكل ناجح في العمليات الهجومية والدفاعية أيضاً، كما تم تحييد قدراته الاستخباراتية بشكل عام من خلال حصر التواصل عبر شبكات تواصل آمنة يصعب اختراق العدو لها.
ضرب العدو في نقاط ضعفه:
«إذا التقت نقطة قوتنا مع نقطة ضعف عدونا انتصرنا عليه» هذا ما قاله الشيخ الشهيد أحمد ياسين لتتحول كلماته إلى عقيدة قتالية لدى كتائب القسام، حيث بنيت خطة الحرب الهجومية قائمة على استهداف العدو في نقاط ضعفه، وكان أبرزها:
- البعد تحت الأرضي: وعدم قدرة العدو على مواجهة الوحدات التي تعمل عبره، ومعرفة كتائب القسام المسبقة أن قدراته التقنية لا تسمح له بكشف وحداتها تحت الأرض، فشكل ذلك بالنسبة لها استراتيجية عمل محورية.
- البعد تحت المائي: وعدم قدرة العدو على كشف قوات الضفادع البشرية، برز ذلك من خلال عملية زيكيم البطولية، التي استطاع المجاهدون أن يستخدموا البحر فيها دون أن تكشفهم أدوات المراقبة التابعة للعدو.
- عدم قدرة جبهة العدو الداخلية على الصمود: لذا فقدتم بناء جزء مهم من الخطة على نقل المقاومة للمعركة إلى «أرض العدو»، وذلك باستخدام قوةٍ صاروخية غطت معظم أرضنا المحتلة، وهو ما فرض طوقاً على معظم المغتصبين الصهاينة الذين باتوا يعيشون في الملاجئ أكثر من عيشهم في بيوتهم، وكان ذروة ذلك في عملية التهجير التي استخدمتها المقاومة لسكان الغلاف الذين شكلوا عامل ضغطٍ على حكومة العدو، وكان ذلك سبباً في دفعها لإنهاء المعركة.
- أسلوب المعركة الطويلة: رغم أن إطالة أمد المعركة كان بسبب الظرف السياسي، إلا أن خوض المقاومة لمعركة طويلة يُعد مكوناً أساسياً من مكونات الاستعداد لأي معركة، ويعود ذلك لعدة أسباب، أهمها عدم قدرة العدو السياسية والاقتصادية والعسكرية على خوض معركةٍ طويلةٍ وتبنيه لمبدأ الحرب القصيرة وخشيته من الدخول في حرب استنزاف يدفع فيها ثمناً باهظاً جدا.
الحفاظ على الحاضنة الشعبية للمقاومة:
لقد كانت الحاضنة الشعبية للمقاومة نصب أعين القيادة العسكرية، لفهمها أن ثبات الجبهة الداخلية هو عاملٌ مهمٌ في المعركة، كون العدو يرى فيها الخاصرة الرخوة للمقاومة فيعمد إلى استهدافها والضغط على المقاومة من خلالها، لذا فإن المقاومة عمدت لرفع معنويات الجمهور من خلال إدارة عمليات نفسية وإعلامية تعكس الأداء الرائد في الميدان وتنقل لجمهورها صورة وحقيقة المعركة، وقد نجحت المقاومة بشكلٍ كبيرٍ في كسب تأييدٍ لامحدود من قبل حاضنتها الشعبية رغم شراسة ما قام به العدو من استهداف لتلك الحاضنة.
ختاماً/ إن المقاومة ورغم اعتراف العدو والصديق بأدائها المتميز إلا أنها وفور انتهاء الحرب، شكلت العديد من اللجان، لاستخلاص العبر وتطوير الأداء استعداداً لأي معركة قد تفرضها المرحلة القادمة، ومن البديهي أن تكون معظم الدروس المستفادة قد ضُمّنت في عقيدة المقاومة وكتائب القسام القتالية وأساليب عملها، وخططها الدفاعية والهجومية.