أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد -اليوم الاثنين- أمرا بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان من مهامهم، فيما رفض مجلس نواب الشعب قرارات الرئيس سعيد، والقاضي بتجميد عمل البرلمان والحكومة والسيطرة على مفاصل السلطتين التنفيذية والقضائية في البلاد.
وقالت الرئاسة التونسية -في بيان لها- إنه تقرر أن يتولى الكتّاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية -برئاسة الحكومة ووزارتي الدفاع والعدل- تصريف أمور الحكومة الإدارية والمالية، إلى حين تسمية رئيس جديد لها، وأعضاء جدد فيها.
وأمس الأحد ليلا، أعلن الرئيس التونسي تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة رئيس الحكومة، كما قرر تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه بنفسه، وتولي رئاسة النيابة العامة لتحريك المتابعة القضائية ضد من تحوم حولهم شبهات فساد.
وقال سعيّد -عقب اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيين وعسكريين- إنه قرر "-عملا بأحكام الدستور- اتخاذ تدابير يقتضيها (…) الوضع، لإنقاذ تونس، ولإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي".
وأضاف الرئيس التونسي "تلاحظون -من دون شك- المرافق العمومية تتهاوى، وهناك عمليات نهب وحرب، وهناك من يستعد لدفع الأموال في بعض الأحياء للاقتتال الداخلي"، مؤكدا أنه اتخذ هذه التدابير بالتشاور مع رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي.
وصباح اليوم، نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين قولهما إن الرئيس التونسي كلف المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية.
مجلس النواب
بالمقابل، أعلن مجلس نواب الشعب (البرلمان) -في بيان- رفضه وإدانته لقرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة، واعتبرها قرارات باطلة وتنطوي على خرق للدستور.
وعقب جلسة عقدها عن بعد، أعلن مكتب مجلس النواب -في بيان- أنه في حالة انعقاد دائم، محملا الرئيس التونسي جميع التبعات الأخلاقية والقانونية لقراراته الأخيرة، كما دعا الجيش التونسي إلى الانحياز لصفوف الشعب، والوفاء للقسم بحماية الدستور وصون هيبة الدولة ومؤسساتها، ودعا البيان النواب للدفاع عن قيم الجمهورية وخيار الشعب وفق انتخابات حرة ونزيهة، ورفض كل نزوع نحو الحكم الفردي الشمولي والمستبد، وفق وصف البيان.
وفي وقت سابق، منعت قوات الجيش الموجودة بمقر البرلمان راشد الغنوشي رئيس البرلمان وعددا من النواب من الدخول إلى مقر البرلمان، وأكدت أنها تغلقه وفق تعليمات رئاسية.
وقال الغنوشي -الذي بدأ اعتصاما صباح اليوم الاثنين أمام البرلمان بعد منعه من دخول المبنى- إن قرارات الرئيس سعيد "لا سند لها من القانون ولا من الدستور"، ووصفها بالانقلاب على الدستور والقانون والحريات الخاصة والعامة.
وعبّر الغنوشي عن استيائه من هذه القرارات، وقال إنه يعتبر أن مؤسسات الدولة المنتخبة -مثل مجلس النواب والحكومة- قائمة، واصفا تأويل الرئيس سعيد بالخاطئ.
ونشر الغنوشي -على صفحته في فيسبوك- دعوة إلى الالتحاق بمقر مجلس النواب للدفاع عن الديمقراطية والثورة، حسب قوله. وينفّذ رئيس مجلس النواب اعتصامه داخل سيارة سوداء رفقة نواب من حزب حركة النهضة الذي يرأسه. ونفى أن يكون الرئيس قد تشاور معه في الإجراءات التي اتخذها.
اتحاد العمل
من ناحية أخرى، قال الاتحاد التونسي للشغل -وهو أقوى منظمة نقابية في تونس- إنه يجب أن ترفق التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد بضمانات دستورية، مضيفا -في بيان- أنه "يجب الحرص على التمسك بالشرعية الدستورية وتأمين استمرار المسار الديمقراطي، واحترام الحقوق والحريات والاحتكام إلى الآليات الديمقراطية في أي تغيير".
وعبّر الاتحاد التونسي للشغل عن رفضه لجوء أي طرف إلى العنف وسياسة التشفي وتصفية الحسابات، ودعا كل الأطراف إلى النأي بالمؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية، وقال الاتحاد إن أمينه العام نور الدين الطبوبي للاتحاد سيلتقي الرئيس سعيد في وقت لاحق اليوم.
ووصف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس نبيل بفون قرارات الرئيس سعيد بأنها غير متطابقة مع أحكام الدستور، وأضاف بفون أن الفصل الـ80 الذي استند إليه الرئيس يفرض حالة الانعقاد الدائم للبرلمان حتى في الحالات الاستثنائية، وأوضح أنه لا يمكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة في ظل فراغ على مستوى السلطة، لأن الدستور حدد ذلك فقط في حال حل البرلمان، وهذا غير متوفر.
وأشار رئيس الهيئة العليا للانتخابات إلى أن الهيئة ليست هيئة تقنية فقط، بل دستورية، والمرجع الوحيد لإجراء انتخابات مبكرة هو الدستور لا غير.
القوى السياسية
ورفضت كتلة "قلب تونس" -وهي ثاني أكبر كتلة في البرلمان- قرارات رئيس الجمهورية، ووصفتها بأنها "خرق جسيم للدستور"، وعبّرت عن تمسكها بالشرعية الانتخابية واحترام القانون والمؤسسات، كما دعا تكتّل "قلب تونس" الحكومة إلى ممارسة مهامها الشرعية، وتفادي إحداث فراغ مؤسساتي، وحث الحزب الجيش والأمن على الالتزام بدورهما التاريخي في حماية الدولة ومؤسساتها وقيم الجمهورية والثورة.
وفي الاتجاه نفسه، أعلن حزب "التيار الديمقراطي التونسي" أنه يختلف مع الرئيس سعيد في تأويل الفصل الـ80 من الدستور، وقال التيار إنه يرفض جميع القرارات والإجراءات التي تتخذ خارج بنود الدستور.
ودعا حزب التيار الديمقراطي رئيسَ الجمهورية وكل القوى والمنظمات الوطنية إلى توحيد الجهود للخروج من الأزمة، باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد المالي، وحمّل بيان للحزب -في الوقت نفسه- الائتلاف الحاكم -بقيادة حركة النهضة وحكومة مشيشي- مسؤولية الاحتقان الشعبي والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية.
وذكر حزب العمال أن ما أقدم عليه الرئيس سعيد خرق واضح للدستور واحتكار لكل السلطات بين يديه.
بالمقابل، أعرب حزب "حركة الشعب" في تونس عن مساندته لقرارات الرئيس سعيد، واعتبرها طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته حركة النهضة والمنظومة الحاكمة حسب بيان للحزب الذي دعا -وهو ذو توجه قومي ومعارض لحكومة مشيشي- الرئاسةَ إلى المحافظة على الحريات؛ كما دعا التونسيين إلى المحافظة على سلمية تحركاتهم.
الأمن والجيش
وفي هذه الأثناء، يشهد محيط البرلمان تجمعات لمؤيدين لقرارات رئيس البلاد، ورافضين لها وسط نشاط أمني كثيف، وذكرت وكالة رويترز أن الجيش انتشر في مقر الحكومة بالقصبة في العاصمة تونس، ومنع الموظفين من دخول المبنى أو الخروج منه.
وأكدت مصادر مطلعة للجزيرة أن رئيس الحكومة المشيشي في منزله، وليس رهن الاعتقال، ويعتزم دعوة مجلس الوزراء للانعقاد.
يشار إلى أن تونس تعيش منذ أشهر أزمة سياسية واقتصادية متصاعدة في ظل تنازع للصلاحيات بين رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة، وفاقم من الوضع المتأزم تفشي جائحة كورونا بالبلاد في ظل انهيار المنظومة الصحية.
المصدر : الجزيرة + وكالات