وصلت السلطة الفلسطينية إلى مستويات غير مسبوقة في الفساد والإهمال وسوء الإدارة، وفي الوقت الذي تتحدث فيه عن أزمة مالية وتواجه موجة احتجاجات كبيرة، كشفت مصادر مطلعة أن حكومة اشتية اشترت جيبات ومركبات حديثة لمسؤوليها، رغم الأزمة المالية التي تعصف بالموظفين.
وبعد أن رفض المسؤولون في وزارة المالية التصريح بالأمر، وأحالوا تساؤلات الصحفيين إلى وزارة النقل والمواصلات، رفض هؤلاء أيضاً الإجابة، وأعادوا الأمر لوزارة المالية.
وبعد تسريبات إعلامية ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي وتحدثت عن استلام مسؤولين كبار عدداً من السيارات الحديثة، ثارت ثائرة الموظفين والمعلمين الذين اتهموا الحكومة بالفساد.
وفي وقت متأخر، نفى مدير عام النقل الحكومي في وزارة النقل والمواصلات محمد الحلاق شراء الحكومة لسيارات جديدة، لكنه قال إن الحكومة أدخلت نحو 100 مركبة جديدة إلى الوزارات والمؤسسات الحكومية بتبرع من شركتي "كيا" و"متسوبيشي" مقابل استبدالها بنحو 150 مركبة حكومية قديمة ومستهلكة، ومعطلة.
وأوضح الحلاق أنهم اتفقوا مع الشركتين على استبدال 150 مركبة حكومية قديمة بـ100 مركبة جديدة، حيث خضعت الاتفاقية للجان خاصة ولجان تخمين، وتبين أن الفرق في السعر قرابة (2.4) مليون شيقل.
مسألة شراء الجيبات التي لاقت تداولاً واسعاً على مواقع التواصل أثارت المزيد من الغضب الشعبي خاصة في ظل الانتقادات الحادة الموجهة للسلطة.
آخر تلك الاحتجاجات جاءت على لسان محمد الداية مرافق الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي قال: "لو بدي احكي اللي بعرفو، في ناس كثير ما بتضل دقيقة على الكرسي، مين كان مصاحب مين ومين فاتح بزنس في الوطن وخارج الوطن ومين معو جنسيات أجنبية ومين موظف مرته وولاده ومين بوخذ المهمات والسيارات والبنزين والموازنات ومين بتاجر بهالشعب ومين بوخذ تذاكر على حساب هالوطن ومقضيها شمات هوى وبنزلو بأفخم الفنادق، والله لو بدي احكي لسا بعرف شغلات اكثر من هيك بكثير".
واللافت ان الفساد يستشري ويتصاعد في السلطة في الوقت الذي تجاوز العجز في الموازنة مليار و200 مليون دولار، ووفق بيانات الميزانية الفلسطينية الصادرة عن وزارة المالية، فإن الدين العام (الداخلي والخارجي) بلغ 3.7 مليارات دولار حتى نهاية أبريل 2021.
كما احتلت فلسطين المرتبة الثانية بالمقارنة مع لبنان والأردن في غالبية مظاهر وأشكال الفساد على مستوى الدول العربية، التي يراها المراقبون بأنها الأخطر؛ لأنها ما زالت في طور النشوء ومرحلة التحرر الوطني.
وبحسب دراسة أعدها مركز مسارات فإن الفساد المتأصل في النظام السياسي الفلسطيني يكمن في التفاعل بين السلطة والمال على أعلى مستويات السلطة السياسية.
الشكل السابق من الفساد هو الأكثر انتشارًا ولكنه الأصعب من حيث تعقبه لأن النخب تتمتع في الغالب بحصانة اجتماعية أو سياسية أو قانونية، فضلًا عن الطريق المعقدة التي يسلكها المال وهو ينتقل من يدٍ إلى يد ويمر عبر الحدود الوطنية– وهذا قد ينطوي على أسواق سوداء، وغسيل أموال، وحسابات مصرفية أجنبية.
استغلالُ المنصب الرسمي لتحقيق مكاسبَ شخصيةٍ هو وجهٌ آخر لفساد النخبة. وتشمل الحالات التي تخرج إلى العلن لاستخدام غير المأذون للموارد العامة لأغراض شخصية، وإبرام صفقات غير قانونية بين القطاعين العام والخاص، وسرقة الممتلكات العامة.
وكانت هذه الممارسات تحدث بوتيرة منتظمة في التسعينيات، وأثرت سلبًا في النظرة المحلية والدولية تجاه السلطة الفلسطينية، حيث وجدت أول عملية تدقيق ورقابة فلسطينية أجريت في 1997 أن قرابة 40% من ميزانية السلطة الفلسطينية – 326 مليون دولار أمريكي تقريبًا - قد أُسيء استعمالها.
ثمة طريقةٌ أخرى اغتنت بها النخبة السياسية على حساب بقية السكان، تتمثل في التفاوت المفرط في الدخول في فلسطين. فقد أبرزَ مؤشرُ جيني العالمي التفاوت الهائل في مستويات الدخل بين كبار المسؤولين وبقية موظفي السلطة الفلسطينية في عام 2013.
ووفقًا للتقارير الأخيرة، يتقاضى بعض مسؤولي القطاع العام راتبًا شهريًا يفوق 10,000 دولار أمريكي بالإضافة إلى امتيازات أخرى. وعلى النقيض، يتقاضى ثلثا موظفي القطاع العام ما بين 515 و640 دولار شهريًا.
والأخطر أن الفئات المهمشة والأكثر فقراً هي الأكثر تضرراً بالفساد، حيث أن بدأت السلطة منذ سنوات حملة تقليصات في الخدمات طالت الفئات الفقيرة مثل شيكات الشئون الاجتماعية والتي لم تتقاضها هذه الفئة إلا مرتين منذ بداية العام.