يتضح من سلوك الإدارة الامريكية برئاسة جو بايدن أنها لا تملك رؤية سياسية أو مبادرة جديدة يمكن أن تشكل انطلاقة جديدة لعملية سياسية، أو ترعى عملية مفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
ومع ذلك نلمس أن الإدارة الجديدة مهتمة بالواقع الحالي للسلطة الفلسطينية وتسعى لتعزيز تواجدها ومنع انهيارها بأي طريقة، خاصة أن النتيجة التي توصل لها مبعوثها هادي عمرو عقب زيارته للأراضي الفلسطينية لخصها "السلطة كغابة جافة على وشك الاحتراق" وهو وصف دقيق لواقع السلطة التي عجزت على أن تقدم نفسها للمجتمع الدولي كنواة دولة أو حتى قوة حاكمة تصلح لقيادة الشعب الفلسطيني.
وتحت ضغط الإدارة الامريكية بدأ الاحتلال في تحركات ملحوظة بهدف اتخاذ خطوات تحمي وتعزز مكانة السلطة، من ضمنها اللقاءات الأخيرة بين المسؤولين الفلسطينيين في رام الله ونظرائهم في دولة الاحتلال والتي خرجت من إطار التنسيق الأمني إلى إطار التنسيق المدني والاقتصادي، لإنقاذ السلطة.
وقد جرت مؤخراً لقاءات بين وزيرَي الصحة والبيئة الإسرائيليَّين مع نظيرَيهما الفلسطينيَّين تمهيداً لتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة بعض القضايا الاقتصادية، وإزالة العقبات التي من شأنها عرقلة نشاط السلطة، وهو ما يتوافق مع تصريحات سابقة لوزير التعاون الإقليمي في حكومة الاحتلال، عيساوي فريج.
وناقش اللقاء المذكور سبل تعزيز اقتصاد السلطة، وتحسين وضع المواطنين في الضفة الغربية، والعمل على تعميق ارتباطهم بالقضايا المعيشية لمنع تفجّر انتفاضة جديدة في الضفة، بعد موجة من التوترات في مدينة القدس وعمليات مصادرة للأراضي الفلسطينية.
وفي سبيل ذلك، تتمّ زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين في الداخل المحتل، توازياً مع إعفاء السلطة من ضرائب المحروقات وضرائب أخرى، بما يعزّز إيراداتها الداخلية.
السلطة تفاعلت بقوة مع الخطوات الإسرائيلية التي تشكل لها طوق نجاة من أزماتها المتلاحقة، وتأمل أن تفتح التحركات الباب أمام عملية سياسية، رغم أن كل الوقائع والمؤشرات تؤكد أنه لا فرصة في الأفق لأي تقدم سياسي في الملف الفلسطيني، كما أن كل الخطوات التي تتخذها الإدارة الأمريكية تهدف من خلالها لتجاوز الواقع السياسي والاقتصادي المتردي للسلطة.
من ناحية أخرى، فإن فرص تطوّر اللقاءات الجارية لمستوى حل سياسي غير ممكنة في ضوء تشكيلة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، والاختلافات الكبيرة بخصوص قضايا الحلّ النهائي مع الفلسطينيين، بما فيها "حل الدولتين" والاستيطان في الضفة المحتلة.
وهذا ما يطرح تساؤلًا مهمًا حول الهدف من الخطوات الجارية في ظل غياب مشروع سياسي، وهو سؤال يمكن الإجابة عليه عبر عدة بنود أهمها:
أولاً: هناك تحول كبير في الرؤية الأمريكية والدولية لكيفية التعاطي مع الملف الفلسطيني، وبعد أن كان الحديث يدور عن مشروع سياسي عبر المفاوضات، بات الأمر لا يتعدى تعزيز وجود السلطة عبر التسهيلات المعيشية والاقتصادية، ومنع انهيارها.
ثانياً: تقوية وجود السلطة في الضفة له هدف آخر ذو علاقة طردية وهو أن ضعف السلطة يعني تقوية خصمها السياسي حماس في الضفة الغربية، وهو ما ينظر له الاحتلال والولايات المتحدة كتهديد كبير على الاحتلال.
ثالثا: ترى السلطة أن أزمتها الحالية فرصة تستغلها في زيادة مواردها المالية عبر الدعم والمنح الدولية، حيث بات واضحاً أنه لا فرصة أمامها لاستعادة دورها ومكانتها السياسية التي كانت عليها، وأقصى ما يمكن أن تحظى به هو الدعم المالي لموازنتها، وتعزيز أكبر لأجهزتها الأمنية لتحقيق المتطلبات الأمنية الإسرائيلية.
وخلال اللقاء الأول الذي جرى في مدينة القدس المحتلة، اتّفق الوزراء على تكثيف الاجتماعات، وأن تجهّز السلطة قائمة بمطالبها الاقتصادية لعرضها على حكومة الاحتلال خلال الفترة المقبلة، فيما رفض الجانب الإسرائيلي الحديث في القضايا السياسية، متعذّراً بأنها من صلاحيات رئيس الوزراء.