وكأن قرية بيتا أضحت دولة لوحدها، منذ عام ونصف وهي تعاند في معركة يعتقدها البعض مفتقدة للتكافؤ، ولكنها رغم كل التوقعات أربكت حسابات الاحتلال، لتقدم حتى اليوم شهيدها السادس منذ بداية العام.
نزل المناضلون من فوق الجبل مسرعين، هادئين هدوء العاصفة رافعين عماد دويكات على أكتافهم، لعل أقدامهم تصل إلى أقرب إسعاف في محاولة لإنقاذ حياته، لكنها رصاصة متفجرة، نسخة طبق الأصل عن تلك التي يطلقها الجنود على ثوار غزة المطالبين بالعودة.
وما أشبه بيتا بغزة، هناك حق وهذا حق، حقوق ضاعت فوق طاولات المفاوضات، حقوق لا تعود إلا بثوار الوطن، ولا يضيع حق وراءه مُطالب، وهكذا توالى الشهداء في بيتا، شهيد سادس في السابعة والثلاثين، اسمه عماد دويكات يسجد والده لله شكرًا بعد تلقيه خبر رحيله.
عشرات المشيعين وقفوا أمام باب الفقيد الذي يعمل في الباطون، يعيل عائلة مكونة من أربع بنات وولد واحد جاء قبل شهرين.
خرج عماد من البيت المتواضع الصغير، البيت ذاته الذي لا زال يستقبل المهنئين بالولد، خرج منه جثمانًا ملاحقًا بنظرات أمه وصرخاتها: "خدني معك يمه، بدي أروح معك"
ضاقت الطرقات على الأب الكهل الذي يسند جثمان ابنه ويشارك في جنازته، وعلى عشرات من ثوار الليل وهم يحملون الجسد إلى مثواه وينددون ويتوعدون، ثم من يسمع صوت بيتا حين تصرخ، ومن يمسح الدماء عن الأرض المغتصبة ؟!
رئيس بلدية بيتا موسى حمايل عبر عن غضبه في حديثه مع "الرسالة" قائلا: "لم يكن هناك أي فعاليات بالأمس، لقد قرر الثوار أن يكون تجمعهم هادئًا على غير العادة، مسالمين خرجوا لإثبات وجودهم على الجبل، واتفقوا أن تكون المسيرات سلمية بدون أي فعاليات احتجاجية أو إرباك".
ورغم ذلك – يضيف حمايل- " فوجئنا بالقنابل المسيلة للدموع، والرصاص المباشر على المتظاهرين، وهكذا اخترقت رصاصة متفجرة بعد صلاة الجمعة مباشرة قلب عماد دويكات الواقف بصمت إلى جانب الثوار على سفح الجبل، وما هي إلا لحظات حتى تهتك قلبه وأحشاؤه، وقد استشهد حتى قبل أن يصل إلى المستشفى".
ويضيف حمايل: نحن نرى بوضوح أن الاحتلال يستخدم العنف بطريقة مفرطة لإخافة الناس لوقف الإرباك الليلي ومسيرات الجمعة، وحتى الآن لا زال الاحتلال يحتجز جثمان شادي الشرفة الذي قتل بدم بارد وهو يعيد المياه التي قطعها الاحتلال عن بيتا، وها هو عماد دويكات شهيد آخر.
هكذا شُيع دويكات، عامل الباطون البسيط، أحد الواقفين على الجبل، تراهم السماء بوضوح ولا يراهم العالم بجنازة مهيبة جابت القرية، عقب رصاصة اخترقت القلب، وخلفت فتحة في الظهر وعائلة مكلومة، وذكريات كثيرة ليس أولها الموت، بل هو آخر ضربة في الظهر، قد تكسره أو تقويه.