كذبت هند، حاولت ألا تكذب هذه المرة لكنها فشلت، لقد بذلت جهدًا كبيرًا حتى تخفي عن أطفالها مكان مبيت والدهم أُبيّ العابودي لهذه الليلة!
لم ينس الصغار بعدُ اعتصامهم ووالدتهم أمام مقر شرطة "البالوع" في رام الله قبل شهر، وصوت أمهم يرتفع فجرًا "لا للاعتقال السياسي، أفرجوا عن زوجي أبيّ" حتى عادت أجهزة أمن السلطة لاعتقاله مرة أخرى!
تفاصيل الاعتقال الثاني، اختلفت ملامحه هذه المرة، تقول زوجته الصحفية هند شريدة "مبارح عملت جهدي أنيّم الأولاد بدري، ولما سألوني وين بابا؟ قلتلهم بالشغل"!
اعتقدت أنها نجحت، حتى باغتها سؤال غسان 5 سنوات: "ماما احكيلي.. مين أخد بابا؟ السلطة ولا الجيش؟
حلم غسان!
"البالوع"، هذا الاسم العالق في الذاكرة، ركلات رجال الأمن على المعتقلين، صوت الصراخ، وغاز الفلفل العالق على الوجوه!
لم يغب الباحث الفلسطيني أُبيّ 37 عامًا، مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء شهر من الزمان عن "البالوع" حتى عاد إليه معتقلًا في قبضة رجال الأمن الذين كان عليهم أن يحموه ويؤمنوا له مشاركته في الاعتصام!
"لم يحدث الاعتصام" تؤكد زوجة أبيّ على ذلك، مشيرة إلى أن عناصر الأمن فضت تجمع 21 ناشطًا وأسرى محررين وأكاديميين وضربتهم واعتقلتهم، من بينهم كان أبيّ، والمحرر ماهر الأخرس قبل البدء بالفعالية!
من يوم الأربعاء أرسل أبيّ ومجموعة من النشطاء إشعار لمحافظة رام الله لإبلاغهم بتنظيم اعتصام للمطالبة بمحاسبة قتلة المعارض السياسي نزار بنات ووقف الاعتقال الإداري وفق حديث هند "للرسالة".
تُخفي هند اعتقال زوجها الثاني عن أطفالها الثلاثة، تخاف عليهم من الصدمة النفسية، ثم تسأل نفسها " كيف سيكبر الصغار في مشهد سياسي معقد، ورجل الأمن يعتقل أبيهم للمرة الثانية لمجرد أنه أراد الاعتصام والمطالبة بالحقوق؟".
غسان ابن الخامسة ربيعًا أخبر أمه بأنه عزف عن حلمه بأن يصبح رجل أمن "شرطي"، بعد رؤيته لرجال السلطة يلاحقون النشطاء ويوجهون الضربات بأعقاب البنادق على الرؤوس، وليس انتهاءً باعتقال والدهم، قال لها بعد اعتصامهم تموز الماضي للإفراج عن والدهم: " ماما ما بدي بدلة شرطة ولا كعكة ميلاد عليها شرطة (...) ما بدي أصير شرطي، الشرطة بخوفوا"!
اعتقالان هنا!
مجموع اعتقالات أبيّ خمسة، ثلاثة منهم عند الاحتلال الإسرائيلي، واثنان عند السلطة الفلسطينية، تمضي مئات العائلات الفلسطينية بحساب الأيام والسنوات، وعند وصولها لجهة الاعتقال تبقى غصة واحدة، وسؤال يكذب الجميع عنده أمام الصغار "يهود ولا السلطة؟".
الصحفية هند ترى أن السلطة الفلسطينية تعيش حالة تخبط كما هي ردات فعل أجهزتها الأمنية التي أوصلت المواطن لحالة من انعدام الثقة التام فيها.
ويواصل أهالي المعتقلين السياسيين الاعتصام أمام مركز الشرطة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة؛ للمطالبة بالإفراج عن أقاربهم.
ثم تعود السلطة وتتغنى بصون الحريات في الضفة رغم كل هذا الهذيان، إلا أن اتصال هاتفي مع هند سيوصل لك تنهيدة واحدة تدرك بعدها معنى الخذلان من جهاز أمني كان المفترض أن يحمي زوجها أبيّ!