لم يكن من قبيل الصدفة أن تنخرط العشرات من الشخصيات النخبوية والأكاديمية والعلمية في حراكات الغضب إزاء ما تفعله السلطة في الضفة، كما لم يكن محضّ صدفة أن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات على الفساد والفلتان معا!
اغتيال نزار بنات، أشعل فتيلا توهمت السلطة الفلسطينية أن العنف والتنكيل يمكن أن يخمده، لكنه دق ناقوس الخطر في قلوب وعقول العشرات من النخب التي تعرضت لتهديدات مماثلة بالاغتيال من أمن السلطة.
في هذه المرة علا الصوت أكثر وأكثر، لتنخرط عشرات الشخصيات الوطنية بينهم أسرى محررون خاضوا تجربة الإضراب المفتوح عن الطعام، وقيادات إسلامية ووطنية قالت بأعلى صوتها "كفى وآن وقت محاسبة الفساد!"
صوت لم تعطه قوات السلطة الوقت الكافي، فقبل أن يجتمع أصحابه في ساحة رام الله، كانت عصا الأجهزة الأمنية أسبق في الاعتقال والتنكيل والاضطهاد، حتى بمن فيهم العالم عماد البرغوثي.
لا شيء محرم في معركة الدفاع عن الوجود، اعتقال لعلماء وأسرى وقيادات وفتيات وتنكيل بالنشطاء والشخصيات الوطنية، لا شيء يمكن أن يمنع قوات الأمن أن تقمع أكثر تحت ذرائع وهمية تستند لقانون يفصل على المقاس.
احتقان كبير!
الشيخ حسن يوسف القيادي في حركة حماس، أكدّ أنّ الواقع الفلسطيني اليوم يعيش حالة كبيرة من الاحتقان، هو الأول منذ سنوات، مشيرًا أن ما تنقله وسائل الإعلام لا يعكس طبيعة الوضع الميداني الذي يصعب السيطرة عليه.
وأرجع الشيخ يوسف في حديثه لـ"الرسالة نت" أسباب الاحتقان إلى وجود الاحتلال كسبب أساسي لكل ما يحصل للشعب الفلسطيني، ومن ثم أسباب مباشرة، كإلغاء الانتخابات، وتوقف عجلة الحوارات الداخلية، والتضييق الكبير على الحريات، وما آلت إليه الأمور من مقتل نزار بنات وتصدي أجهزة الأمن للمسيرات السلمية التي تعبر عن الرأي.
وأكد أن إعطاء مساحة للتعبير عن الرأي يمثل مصدر قوة لشعبنا، ومن الواجب على كل الأطراف والجهات السماح بذلك فورًا ودون شروط أو تضييق.
وقال: "الشعب الذي اعتاد مواجهة آلة البطش الاحتلالية ومدرعاته وطائراته، من الشبل حتى الشيخ، لا تستطيع أي جهة أن تصادر حقه في التعبير عن الرأي، فمن اعتاد قول رأيه بحرية وكرامة في وجه الاحتلال لا بد أن يسمح له بقوله في كل ميدان وفي وجه كل مخطئ".
من جهته، أكد القيادي البروفيسور عماد البرغوثي أن الضفة الغربية تعيش تحت حكم شريعة غاب، لافتاً إلى أنه لا توجد خطوط حمراء تحكم المنظومة الأمنية فيها.
وقال البرغوثي بعد الإفراج عنه من سجون السلطة الفلسطينية برام الله: "سابقاً كنا نحارَب لأجل لقمة العيش والتهميش، وعدم التقدير وقلة الاحترام، والآن نعيش في ظرف مطلوب منا "إغلاق أفواهنا تماماً".
وأضاف: رغم الإفراج عني، إلا أن أجهزة السلطة ستكرر اعتقال أي شخص في حال وجود أي فعالية ونشاط ضدها يطالب بالحريات العامة.
ولفت عالم الفيزياء إلى أن كل المواطنين معرضون للاعتقال والسحل لمجرد السير في الشارع بمحاذاة حنجرة تطالب بالحريات.
وأكد البرفسور البرغوثي إصراره على البقاء في ميدان مقاومة الاحتلال وميدان مطالبة المسؤول الفلسطيني بالعدالة ورفع سقف الحريات وكف يد الأجهزة الأمنية عن أبناء شعبنا.
ودعا البرغوثي إلى إجراء الانتخابات بأسرع وقت، قائلاً: إنه لن يتحسن المشهد الفلسطيني إلا في حال إجراء انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية نزيهة.
تكريم دولي!
ولفت البرغوثي أنه سيشارك يوم السبت القادم الساعة 7 مساء في مؤتمر عالمي يحضره 5000 عالِم من مختلف أنحاء العالم عبر منصة زوم، بعنوان الحرية الأكاديمية في فلسطين، سيتحدث فيه عن تجربته عند الاحتلال والسلطة.
وبعد المؤتمر، سيتوجه البرغوثي إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للحصول على جائزة عالمية تكريماً له على إنجازاته الأكاديمية ومشاركاته الاجتماعية والإنسانية.
وعقب البرغوثي على تكريمه متسائلاً: "أهناك أُحترم وأُكرم وأُقدر وهنا أشحط وأذل؟".
وحول لحظة الاعتقال، قال البرغوثي: بينما كنت أمشي في رام الله ورغم علمي بوجود دعوات لمسيرة إلا أنه لم تحدث أصلا وأثناء وقوفي لوحدي ودون التفوه بكلمة واحدة على دوار المنارة جاءتني دورية شرطة واقتادتني إلى سيارة الاعتقال، لم أقاوم اعتقالهم التعسفي لوجود عدد كبير من أفراد الشرطة العساكر وبلباس مدني في المكان.
وتابع: جرى اعتقال حوالي 20 شخصاً وامرأتين وتم اقتيادنا إلى مديرية الشرطة.. والمعتقلون من خيرة أبناء الوطن من أكاديميين وأسرى محررين وأدباء ومناضلين، وبقينا لحوالي 3 ساعات في مديرية الشرطة دون أن يلتفت إلينا أي أحد ليوضح لنا سبب تواجدنا والمدة التي سنحتجز بها، ثم تم توزيعنا بعد ذلك على غرف النظارة.
وأشار البرغوثي إلى أنها كانت تجربة حزينة ومؤلمة خاصة في ظل الحديث عن وباء كورونا والظروف الصحية "الغائبة تماماً هناك".
وأبدى البرغوثي تخوفه على المعتقلين في النظارة، موضحاً أن الغرفة يوضع فيها ثلاثة أضعاف العدد المسموح، فلا مكان للنوم، ودورة المياه واحدة دون باب ودون إضاءة وبظروف صحية غير ملائمة للعيش الآدمي.
وعقّب البرغوثي عن ذلك بقوله: "رغم أن جانب الاعتقال مؤلم ومسيء، إلا أن الظروف الصحية التي مررت بها والمعتقلون كانت أشد إيلاما وهي أسوأ ب 100 مرة مما كنا نتوقعه.
وحول التهم الموجهة إليه، بيّن البرفسور البرغوثي أن من بين التهم المشاركة في مسيرة غير مرخصة رغم إشعار الجهات المسؤولة بها، وتهمة سب الرئيس، والأجهزة الأمنية، إضافة لتهمة التفرقة العنصرية التي لا يزال لا يفهم فحواها.
ونوّه البرغوثي أنه وعلى الرغم من عدم مشاركته في المسيرة ورغم وصفه لها بالشرف الكبير للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، فقد طلب منه التوقيع على طلب إخلاء سبيل بعد 24 ساعة مع كفالة بقيمة 1000 دينار على أن يعود لحضور المحكمة يوم الثلاثاء الساعة 5 أيلول سبتمبر القادم.
ولفت البرغوثي إلى أنه لا يزال هناك معتقلون مددت السلطة اعتقالهم لــ48 ساعة وهم من خيرة الناس، مشيراً إلى أنه يتم التواصل مع جهات قانونية وحقوقية للإفراج عنهم.