لم يتغير شيء، رصاصة واحدة في الرأس قاتلة، أغمض عماد حشاش عينيه بعدها، ثم نام نومته الأخيرة على أرض المخيم، لم يتغير شيء، بلاط المخيم يعرف أبطاله!
يحمل الرفاق الجثمان بحثًا عن إنعاش أخير لابن "بلاطة"، يتمسك صالح بأطراف شقيقه عماد، تشبعت ملابسه بدم أخيه، كان قد لفه بين ذراعيه، قبل أن يرحل!
انتفض فجأة، طاقم التمريض يقوم بإزالة الأجهزة عن صدر عماد، لم يستوعب صالح أن تغادر روح شقيقه بهذه السرعة، يصرخ "بديش أروح".
ألقى نفسه مجددًا في حضن شقيقه، يحكم قبضته عليه، يصرخ مجددًا "سلم على إمي يا عماد"، يرفض مفارقة الجثمان!
دماء عماد 16 عامًا ابن مخيم بلاطة شرقي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة كانت الحل الوحيد لحرية شعب انتفض فجرًا، حرية لن يفهمها من صافح ونسق مع المحتل بزعم بحثه عن الحرية!
لم تمض ليلة واحدة على صرخات زوجة المعتقل خضر عدنان وإهانتها من رجل أمن يتبع للسلطة الفلسطينية، وهي تنادي "يا حرية" على دوار المنارة برام الله للإفراج عن زوجها المعتقل، حتى وجه الصغير البوصلة للمشهد الصحيح، الدماء تعيدنا أحراراً.
سيل من الشتائم والاتهامات لأن زوجة الشيخ خضر طالبت بالحرية، حرية ارتبط مفهومها بالنسبة لرجل العسكر بالفضلات، حريةٌ لن يدرك معناها ذاك العنصر وسط خيبة السلطة وخيبته!
تمحو تلك الخيبة تكبيرات المساجد في المخيم، لتزف عماد شهيدًا، وتوزع النساء الحلوى، حتى صالح، كان قد أخفى دمعة جديدة تصر أن تُذْرف وجعًا!
عماد حشاش، آخر العنقود، الابن البار المدلل بين إخوته، هو الشهيد اليتيم، يعود لحضن أمه التي توفيت قبل اثني عشر عامًا، كان عماد وقتها طفلًا لم يتجاوز الثالثة من عمره، أما الآن فيجتمع الأحباب سويًا في دار السلام!
فجر الثلاثاء، التصق اسم عماد بلقب الشهيد، استشهد الفتى خلال اشتباك مسلح بين مقاومين وقوات الاحتلال بمخيم بلاطة، وأفادت مصادر محلية أنه أصيب برصاص الاحتلال أثناء تواجده على سطح منزله، ونقل إلى مستشفى رفيديا، وأُعلن هناك عن استشهاده.
صوت الرصاص اخترق جدران المخيم من منطقة السهل، بعد اقتحام الاحتلال له، لم يهدأ "بلاطة" يومًا، لا يعرف الخنوع، وقوائم الشهداء فيه لا تنفد.
هيبة المسير وهيبة عماد، للشهداء صوت واحد، يجيدون الوداع وتخليد الوصية، لسان حال هذا الفتى المسجى على الكوفية يقول "وأنا ملء صحوي الآن، ملء جرحي، ملء حلمي أن يسير الثوار على دربي، محمولاً على الأكتاف، يلفني علمي، وحلم بالحرية كان أملي!