يسيطر التصعيد على الأجواء في قطاع غزة التي تشهد منذ أسبوعين مقاومة شعبية وضغطاً ميدانياً عبر الأدوات الخشنة التي تشمل البالونات الحارقة والإرباك الليلي، والتي من المتوقع أن تتصاعد خلال الأسابيع القادمة بالتزامن مع ذكرى الانسحاب "الإسرائيلي" من قطاع غزة الذي جرى عام 2005، إلى جانب الأعياد اليهودية التي يشهدها الاحتلال، وهو توقيت تقدر المقاومة أنه من المناسب الضغط على الاحتلال فيه.
وقد أعلن جيش الاحتلال أنه يتحضر لتصعيد محتمل خلال تلك الفترة في الوقت الذي تتواصل المساعي الأممية والإقليمية للتوصل إلى تسوية للتهدئة، وثني الاحتلال عن مواصلة تضييق الحصار والإجراءات المشددة التي يفرضها على قطاع غزة منذ معركة سيف القدس.
ويبدو أن المقاومة اتخذت قراراً واضحاً باستمرار الضغط الميداني والمحافظة على حالة الاشتباك مع الاحتلال، لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني وتخفيف الحصار عن قطاع غزة بقدر ما أمكن، خاصة أن التصعيد الميداني أثمر وأجبر الاحتلال على تقديم تسهيلات لقطاع غزة.
وتنوي الفصائل بغزة تفعيل كل أدوات المقاومة الشعبية خلال الشهر الجاري، لانتزاع المزيد من الحقوق من الاحتلال، وهو ما يفسر تداعي الوسطاء والحرص على نزع فتيل الانفجار، والتي برزت أكثر بالتسهيلات التي قدمها الاحتلال.
من ناحية أخرى فإن المقاومة باتت تستثمر ضعف حكومة بينت التي تخشى أي تصعيد كبير مع غزة لأنه يهدد بانهيارها، وبالتالي فهي قابلة للاستجابة للضغط وتقديم المزيد من التنازلات، فهي تدرك أن استمرار التصعيد الميداني سيجر الساحة نحو تصعيد أكبر وبالتالي إحداث أزمة عميقة تضرب الائتلاف الهش والمتناقض.
وهذا ما يفسر التناقض الكبير بين تصريحات قادة الاحتلال آخرهم رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي إنهم لن يترددوا في خوض معركة جديدة إذا لم يستمر الهدوء على حدود قطاع غزة، وأن واقع حياة سكان غزة، لن يتحسن طالما استمرت العمليات "الإرهابية" على اختلاف أنواعها".
ووافق الاحتلال على تقديم عدة تسهيلات لقطاع غزة، أعادت من خلالها أوضاع القطاع ومعابره المرتبطة بالاحتلال إلى ما كانت عليه قبل معركة سيف القدس مع إضافة تحسينات جديدة على آليات إدخال مواد البناء، وإلغاء آلية الرقابة الدولية التي فرضت عقب عدوان 2014.
وبحسب منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق غسان عليان، فإنه جرى توسيع مساحة الصيد في بحر غزة إلى 15 ميلاً بحرياً، ورفع كمية المياه المُباعة للقطاع بخمسة ملايين متر مكعب، تُضاف إلى 10 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً، فضلاً عن زيادة عدد التجار والعمال الراغبين بالعمل داخل إسرائيل إلى 7 آلاف وتوسيع العمل في معبر كرم أبو سالم المخصص لنقل المعدات والبضائع إلى غزة.
كما وافق الاحتلال على إعادة فتح المعبر التجاري بشكل كامل لإدخال كل ما يلزم، بما في ذلك حديد البناء والإسمنت وتوريد السيارات الجديدة، وكذلك سمحت بتجارة الذهب بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويبدو أن الاحتلال بدأ في إجراءات تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، أملاً في استعادة الهدوء.
التسهيلات الأخيرة أثارت انتقادات واسعة لدى الاحتلال، حيث قال جاكي حوجي من إذاعة جيش الاحتلال أنه بعد أربعة أشهر على انتهاء القتال يعود اتفاق الدولارات: نفس المبالغ، نفس المستفيدين، حتى بالحقائب - التغيير في الطريقة.
وأضاف سيتم تسليم المبالغ المخصصة للمحتاجين من خلال الأمم المتحدة، بينما المبالغ المخصصة للموظفين بغزة ستسلم إلى السلطة الفلسطينية، ومن هناك إلى مكاتب البريد في قطاع غزة، وسيهبط القطري في مطار بن غوريون بالمال، ويسلم حصة المحتاجين للأمم المتحدة، ثم بدلاً من غزة سيواصل طريقه إلى رام الله.
واعتبر أن هذا تراجع كبير من حكومته التي كانت قد أكدت أنها لن تسمح بإدخال الأموال بالطريقة ذاتها.
ورأت أوساط في الاحتلال أن التغيير في سياسة "إسرائيل"، تقديم تسهيلات بهذه الطريقة لاحتواء الأحداث بالقرب من السياج، يضع علامة استفهام كبيرة حول قضية إعادة الأسرى، وأن الأوضاع في طريقها لتصعيد في الأسابيع القليلة القادمة.