تعرف (إسرائيل) جيدًا أن مشكلتها الأمنية المتعلقة بوجودها على الأرض الفلسطينية، لا يتعلق بجبهة غزة فقط، بل هناك جبهات لا تقل خطورة على أمنها، كالضفة الغربية وكذلك مدن الداخل المحتل ذات الأغلبية الفلسطينية.
وسعت (إسرائيل) بكل الطرق إنهاء ارتباط الفلسطينيين في الداخل المحتل بقضتيهم الأساسية، وكذلك حاولت إفشال المتجمع من الداخل، من خلال نشر الجرائم والمخدرات والسلاح، ومؤخرًا حاولت تخوين فلسطينيي الداخل في حادثة الوصول إلى الأسرى الذين انتزعوا حريتهم بالقوة من سجن جلبوع، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، في ظل حالة الوعي في الشارع الفلسطيني بكافة الجبهات.
ومع اللحظة الأولى لاعتقال الأسيرين محمود العارضة ويعقوب قادري، أعلن الاحتلال أن العملية نجحت بفضل معلومة ذهبية من عائلة عربية في الناصرة، لكن الرد لم يطل كثيرا، فنفت الفصائل الفلسطينية إمكانية وقوع ذلك، وتبعه تظاهرة حاشدة لفلسطينيي الناصرة أمام محكمة الأسيرين، إلى أن جاء الرد الشافي من الأسير العارضة بكشفه تفاصيل إعادة الاعتقال الذي جاء بمحض الصدفة.
وتأكيدًا للقلق الإسرائيلي من فلسطينيي الداخل، حذر كاتب إسرائيلي من "اندلاع انتفاضة بين فلسطينيي الداخل، في ظل توفر العديد من العلامات المقلقة، ما يتطلب من قوات الأمن الإسرائيلية الاستعداد لأي سيناريو متوقع.
وقال نداف شرغاي في مقال بصحيفة إسرائيل اليوم أن "هذه المرة يستدعي الأمر أن تكون اليقظة والاستعداد مختلفين، لأنه لسنوات عديدة تم منح "احتمال ضعيف" لسيناريو ينضم فيه فلسطينيو الداخل أو بعضهم إلى أعمال الاحتجاجات إلى جانب إخوتهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى اندلعت "انتفاضتهم" في مايو الماضي".
وأشار إلى أن "هناك العديد من العلامات الأمنية المقلقة لإسرائيل قد وجدت طريقها إلى فلسطينيي الداخل، ومن بينها: هدير آلاف مشجعي نادي سخنين الأسبوع الماضي في ملعب سامي عوفر بهتافات "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"؛ ونشر عضو الكنيست السابق محمد بركة رئيس لجنة مراقبة فلسطينيي الداخل حاليًا رسالة تلقاها من أحد أعضاء المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، التي ترفض محاولات "الدعاية الصهيونية" لتقديم فلسطينيي الداخل على أنهم "متعاونون" مع إسرائيل".
وختم بالقول إن "تواجد فصيلي الحركة الإسلامية في أراضي 48، سواء الجناح الشمالي المحظور، أو الجناح الجنوبي الممثل الآن في الحكومة، فضلا عن تواجد أنصار حماس بيننا، وأولئك الوطنيين الراديكاليين بين فلسطينيي الداخل، كلها احتمالات لاندلاع مزيد من النيران، ولا يجب أن تغفو إسرائيل مرة أخرى تحت ذريعة أن اندلاع هذه الانتفاضة احتمال ضعيف".
الفهم الإسرائيلي للموقف يقابله اهتمام فصائلي بالداخل المحتل، وهذا ما جاء على لسان حركة حماس التي قالت إنّ "كل محاولات المؤسسة الصهيونية في بثّ الفرقة بين مكونات شعبنا الفلسطيني الواحد، ستفشل"، فيما ذكرت حركة "الجهاد الإسلامي" أنّ مواقف فلسطينيي مناطق 48؛ هي "مواقف الإجماع الوطنيّ"، لافتةً إلى "محاولات الاحتلال المغرضة، استغلال اعتقال 4 من أسرى ’نفق الحرية’ في الناصرة، لإيقاع الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني".
وفي التعقيب على ذلك، قال جمال زحالقة رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الداخل المحتل إن ما يجري في الواقع ليس مجرد محاولات إسرائيلية للتفرقة بين الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، بل استراتيجية إسرائيلية مركزية يشارك فيها القطاعان السياسي والأمني.
وأضاف زحالقة في تصريح لـ"الرسالة" أن الاحتلال يسعى جاهدًا لدق الأسافين بين أبناء الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده، بهدف الفرقة والفتنة وفصل الشعب معنويًا عن بعضه البعض كما فصله جغرافيًا، ليصبح الرهان منصباً على وعي الشارع الفلسطيني اتجاه هذه الجهد الإسرائيلي الكبير.
وأوضح أن كل الأحداث السياسية التي جرت في المرحلة الأخيرة أكدت فشل الاستراتيجية الإسرائيلية في الفصل بين أبناء شعبنا، لكن ذلك الجهد الإسرائيلي يجب أن يقابل بجهود فلسطينية على صعيد الوحدة الوطنية بين كل مكوناته، وإنهاء حالة الانقسام، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة التحديات كافة.