أنهت إعادة اعتقال الأسيرين أيهم كممجي ومناضل نفيعات جولة كبيرة من المطاردة والملاحقة نفذها الاحتلال "الإسرائيلي".
الملاحقة الأعلى تكلفة في تاريخ الاحتلال، حيث دفع بآلاف من عناصر الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة وقصاصي الأثر، كما استخدم طائرات مروحية مسيرة ووسائل تكنولوجية متطورة في عمليات البحث، بتكلفة تجاوزت مبلغ 30 مليون دولار، في مقابل ستة أسرى عزل لا يملكون إلا إرادتهم.
عملية الوصول للأسرى والتي تمت بصورة لم يتوقعها البعض، دفعت الشارع الفلسطيني للحديث مجدداً عن دور السلطة وأجهزتها الأمنية في التواطؤ، أو على الأقل عجزها عن توفير الحماية والإسناد لهم، خاصة أن الاعتقال جرى في جنين منطقة "أ" الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية، والتي يدخلها جيش الاحتلال بتنسيق مسبق مع السلطة.
الحي الذي اعتقل فيه الأسيران يحده من الجانب الشرقي حاجز الجلمة الإسرائيلي وهو الحاجز الذي انتشرت بالقرب منه قوات كبيرة من أجهزة السلطة قبل ساعات من الاعتقال في سلوك مريب، وأرجع البعض سبب الانتشار لمنع الشبان من فعاليات الإرباك الليلي قرب الحاجز، إلا أن الأهداف الحقيقية كانت غير ذلك.
الصحفي "الإسرائيلي" والمختص في الشأن الفلسطيني إيهود بن حمو قال إن السلطة الفلسطينية كما الاحتلال "الإسرائيلي" عاشا لحظات فزع عندما تمت عملية هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع، الأمر الذي أدى إلى رفع وثيرة التنسيق الأمني إلى الدرجة القصوى.
وأضاف أن أجهزة أمن السلطة عززت دورياتها على الحواجز من أجل منع دخول الأسرى إلى الضفة، وعملت على تقديم معلومات أمنية فورية (لإسرائيل)، لافتاً إلى أن التنسيق الأمني خلال هذه الفترة كان في أحسن حالاته.
وبين "بن حمو" أن رئيس السلطة أبو مازن تلقى اتصال هاتفياً من وزير الحرب بيني غانتس الذي شكره على جهود أجهزة أمن السلطة على نجاح عملية إلقاء القبض على الأسيرين في مدينة جنين.
وكان وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ قد قال في تصريح سابق بأن السلطة لا علاقة لها باعتقال الأسرى الأربعة، حيث أن عملية اعتقالهم جرت في مناطق خارج سيطرتها، بينما التزم الصمت بعد اعتقال كممجي ونفيعات من قلب مناطق السلطة الأمنية والإدارية.
واللافت أن المنطقة التي جرت فيها عملية الاعتقال تؤكد أنه من الصعب ألا يجري تنسيق مع السلطة قبل دخولها، وبمسح بسيط للمنطقة التي سلكها الاحتلال والتي تثبت تورط السلطة وأجهزتها في جريمة إعادة اعتقالهم، فإن غالبية الطرق المؤدية للحي تشهد انتشاراً للمقرات الأمنية للسلطة، وتحديداً مقر الاستخبارات العسكرية بشارع الناصرة، ومقر المقاطعة على شارع حيفا، ومقر المخابرات العامة في منطقة الجابريات، بحسب تقارير صحفية.
ورغم محاولات السلطة تجنب الحديث عن قضية الأسرى إلا أن الشارع الفلسطيني يرى أنها المتورط الرئيسي مع الاحتلال في عدم توفير حماية للأسرى بل ومساعدة الاحتلال بكل الوسائل والمعلومات اللازمة لتنفيذ عملية الاعتقال.
وقد لاقت السلطة انتقادات لاذعة من الجمهور الفلسطيني، الذي يرى أن الضفة باتت مستباحة للاحتلال ولم يعد هناك مكان آمن للمقاومين بسبب سياسات السلطة.
الكاتب والروائي الفلسطيني زكريا محمد قال عبر صحفته على فيسبوك: "واقعة إعادة اعتقال الأسيرين الأخيرين من الستة خلال أيام قليلة جداً، تظهر حقيقة أن (إسرائيل) مسيطرة سيطرة أمنية مطلقة على الضفة الغربية".
وأضاف: "ليس هناك منطقة آمنة يمكن الاختفاء فيها في الضفة الغربية. لم يكن الأمر كذلك سابقًا. في الانتفاضة الأولى اختفى مطلوبون لشهور، بل ولسنوات طويلة".
المتابع للطريقة التي انتهجها الاحتلال في البحث عن الأسرى يرى أنه كان حريصا على عدم المس بالأسرى وتنفيذ عملية اعتقال "نظيفة" بلا دماء، خلافاً لسياسة الاحتلال الانتقامية والتي غالباً ما يفضل فيها القتل، وذلك خشية أن يفجر المساس بهم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يخشاه الاحتلال والسلطة معاً.
وتنفيذ الاعتقال بالطريقة التي جرت يتطلب الاعتماد بدرجة عالية على نشاط استخباري وعملياتي، واللجوء للمعلومات الدقيقة وهذا لن يتوفر في منطقة مثل جنين دون التنسيق الأمني ومساعدة أجهزة أمن السلطة.
ومجدداً ظهرت السلطة مهمشة وضعيفة ومعزولة عن الشعب الفلسطيني الذي بات يلفظها ويدرك أنها عبء على قضيته، بينما يتباهى الاحتلال بأن السلطة وأجهزتها جزء من منظومته الأمنية.