منتصف الليل، صوب قرية كوبر شمال رام الله، وضعوا الأصفاد حول معصمي محمد، ثم سأل ضابط المخابرات الإسرائيلي والدته: "راضية عن حالك؟، ربيتي مخربين؟"، أجابته بنفس العزة التي ورثتها عن زوجها أبو عاصف: "مبسوطة ومكيفة".
أغاظته إجابتها فعاد ليؤكد لها بأنه سيدمر حياتها وعائلتها، فما كان من أم عاصف البرغوثي إلا أن ردت: "فشرت عينك، مبسوط على الجيش الجرار، وأنتم معلقة انهزمتوا منها؟".
جرعة جديدة من العزة والقوة وصلتنا فجرًا من قرية كوبر شمال رام الله، وجه تلك السيدة هو نور زوجها الممتد رغم الغياب!
طلة أم عاصف!
ثابتة الوقفة، حاضرة البديهة، بدا وجهها كقرص الشمس، الأنفة وعزة النفس حاضرة هي الأخرى في مقطع مصور لم يتجاوز الدقيقة!
أطلت علينا أم عاصف قبل شروق الشمس في فيديو تروي فيه الحديث الذي دار مع ضابط المخابرات الإسرائيلي لحظة اقتحام منزلها فجرًا.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اعتقلت محمد عمر البرغوثي، نجل الشيخ الراحل أبو عاصف وشقيق الشهيد صالح والأسير عاصم بعد مداهمة منزله فجر السبت الماضي.
لم يكن اقتحامًا عاديًا، كان تخريبيًا، غرضه الاعتقال، والتهديد، حيث اقتحمت قوات الاحتلال منزل أم عاصف وفتشته وعبثت في محتوياته، ثم اعتقلت نجلها.
وانتشر مقطع الفيديو لأم عاصف على منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما وأنها استشهدت في ردها على ضابط المخابرات بملعقة جلبوع وتحرير ستة أسرى لأنفسهم رغم تعزيزات الجيش وحصانة السجن ومنظومة الاحتلال الأمنية والاستخباراتية.
عندما تطل أمامنا أم عاصف، نذكر ابتسامتها في صورة لها يستند رأسها على رأس زوجها الشيخ الراحل أبو عاصف، نذكر صوتًا كلما سمعناه عبر الهاتف ضمنا بدفء، أم قادرة أن تجود بالمزيد لأجل كرامة هذا الوطن!
ثم إننا نذكر ابتسامة يتقاسمها آل البرغوثي الكرام فيوزعها القدر على فلسطين بالتساوي، وكيف لا نذكر يد ابنها الشهيد صالح يلفها حول قلب شقيقه الأسير عاصم في صورة أخيرة قبل الرحيل!
هذا طريقنا!
حين يجتمع الصبر والقوة في المرأة فاعلم أنها ستنجب ثوارًا أحرارًا، واعلم أن أثر أبو عاصف رغم الغياب هو سيدة تغرس في أبنائها والأحفاد حبًا فريدًا للتضحية دون مقابل.
"هذا طريقنا ونحن اخترناه"، قالها يومًا أبو عاصف، فورثته من خلفه عائلته، تلك العائلة التي لم تقبل بالتفريط يومًا، وهو ما أدركناه بعد مقطع الفيديو لأم عاصف، واستوعب الجميع أن هذه العائلة لديها القدرة الكبيرة على الاستمرار بالتضحية والعطاء الدائم.