بين المغارات والطرق الوعرة، تخفى أحمد زهران ورفاقه لأسابيع عن عين المحتل، الذي يطاردهم بأجهزته الأمنية والعسكرية في كل مكان، ليرتقوا شهداء فجر الأحد بعد أن حاصرتهم قوات خاصة في قرية بيت عنان شمال غرب القدس المحتلة.
الوصول لرفاق السلاح لم يكن سهلاً، لكن عدم مقدرتهم على التخفي لفترة طويلة يفتح الباب مجدداً أمام سجل المطاردين في الضفة الغربية الذي بات رصيده صفراً، وذلك بعدما كان منذ احتلال الضفة وغزة عام 1967 سجلاً حافلاً ومرهقاً للاحتلال وأجهزته.
"التنسيق الأمني" كلمة السر الأقوى في تصفير سجل المطاردين في الضفة الغربية، وأمام أي حدث أو عملية مقاومة تلعب أجهزة أمن السلطة الدور الأهم في سرعة وصول الاحتلال للمقاومين. ولعل الشاهد القوي يتمثل فيما جرى مؤخرًا عقب هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع وإعادة اعتقال أسيرين من منطقة جنين، واستشهاد أربعة مقاومين أمس الأحد بعد تمكن الاحتلال من الوصول للمكان الذي تخفوا فيه بعد مطاردة عدة أسابيع.
ويتعامل الاحتلال "الإسرائيلي" بحساسية أمنية عالية جداً في ساحة الضفة الغربية ويعتبرها الأخطر من بين كل الجبهات بعد الداخل المحتل، وذلك بسبب قرب القرى والبلدات والمخيمات والمدن الفلسطينية من المستوطنات "الإسرائيلية" ووجود شوارع مشتركة، وبالتالي فإن أي عملية مقاومة تحمل نسبة عالية من وقوع إصابات أو قتلى.
وينظر الاحتلال للمطارد على أنه شخص تتوفر لديه كل المقومات النفسية للقيام بعمل مقاوم، وبالتالي فهو يشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
وطوال عقود الصراع مع الاحتلال كان هناك مطاردون يزداد عددهم ويقل بحسب الأوضاع العامة، لكنها عادة ما ترتفع بصورة كبيرة في الانتفاضات، ففي الانتفاضة الأولى كان هناك عدد كبير من المطاردين، وقد اشتهرت مدينتا نابلس وجنين بأنهما تضمان أكبر عدد مطاردين خلال الانتفاضة الأولى.
الانتفاضة الثانية شهدت أيضاً ارتفاعاً كبيراً في عدد المطاردين، وفي أعقاب عملية "السور الواقي" عام 2002 ارتفع بشكل كبير، لكن الاحتلال نفذ سياسة الاغتيالات ضد معظم المطاردين.
اللافت أنه خلال الانتفاضتين كان يستطيع المطاردون الاختفاء عن أعين الاحتلال لسنوات طويلة، لكن في العقد الأخير الذي شهد تنسيقا أمنيا غير مسبوق بين الاحتلال والسلطة، عمل على تفكيك بنية المقاومة، باتت قدرة المقاومين على التخفي لأسابيع أو شهور قليلة تعتبر أسطورية.
وتدل التصريحات والمعطيات الرسمية الصادرة عن الاحتلال والسلطة على أن الانقسام الفلسطيني الداخلي أسهم في تحسين العوائد التي تحصل عليها "إسرائيل" من تعاون السلطة الأمني، وبات الاحتلال أكثر قدرة على ابتزاز السلطة المنبوذة شعبياً والتي تخشى من انهيارها.
وتقر القيادات العسكرية للاحتلال بأن أجهزة السلطة الأمنية تزود إسرائيل بمعلومات استخبارية تسهم في تفكيك خلايا المقاومة في الضفة الغربية، في حين يرصد تقرير صادر عن مجلة "معرخوت" الناطقة بلسان الجيش الإسرائيلي عوائد التعاون الأمني.
وبحسب المجلة، فإن أهم تلك العوائد تحسين البيئة الأمنية في الضفة وضمن ذلك البيئة الأمنية للمستوطنات، وتقليص الأعباء على الجيش "الإسرائيلي" مما يسمح له بالتفرغ لإجراء المناورات والتدريبات، وتمكين الاحتلال من الاستعداد لمواجهة على جبهات أخرى وضمن ذلك نقل القوات إليها.
وفي تقرير سابق لجيش الاحتلال قال إنه خلال العام 2009 سلمت السلطة 119 مقاوما للاحتلال، مقابل 7 مقاومين في العام 2010، ليقفز العدد إلى 33 مقاوما عام 2011، وذلك بعدما نفذت السلطة عملية خداع بالتعاون مع الاحتلال.
وادعت السلطة في العام 2010 أنها توصلت لاتفاق مع الاحتلال يقضي بوقف ملاحقة المطاردين في الضفة الغربية وإصدار عفو عام عنهم خاصة أبناء كتائب شهداء الأقصى مقابل تسليم سلاحهم.
وقد قبل عدد من المطاردين بهذا الاتفاق ليتفاجؤوا بأن ما جرى كان فخاً وأعاد الاحتلال اعتقال عدد كبير منهم وتصفية البعض.
وكانت التقارير "الإسرائيلية" قد وصفت "اتفاق العفو عن المطلوبين" بأنه قد أدى إلى نتيجتين مركزيتين وإيجابيتين بالنسبة للاحتلال، الأولى تفكيك الذراع العسكري لحركة فتح في الضفة الغربية، حيث أن غالبية المطلوبين من الحركة قد شملهم الاتفاق وحصلوا على العفو.
أما النتيجة الثانية فهي تحسين قدرات أجهزة الأمن الفلسطينية، ومن ضمنها القدرة على محاربة حركة حماس.
وبحسب التقارير، فإن هذه القدرات قد أدت إلى تصفية الذراع العسكري لحماس في الضفة بشكل مطلق، بالإضافة إلى شن حرب لا هوادة فيها ضد عناصر الجهاد الإسلامي أيضاً.
ويشكل الظهور المتكرر والمستمر لخلايا المقاومة في الضفة خاصة من كتائب القسام تحدياً كبيراً للاحتلال والسلطة، وتأكيد على أن سياسة جز العشب على مدار سنوات لم تنه حالة المقاومة في الضفة.