ضحكتها كانت تضيء عتمة زنزانتها، وسنوات أسرها كانت تمر عليها بشكل أسرع، لأن حضن ابنتها سهى ينتظرها لتهرب إليه!
لم تهرب خالدة جرار لحظة الإفراج عنها من سجون الاحتلال لحضن صغيرتها، هربت إلى قبرها، نثرت الورد والدمع معًا، على حافة الشاهد الذي كتب عليه اسم ابنتها "سهى جرار" ولدت حسرة جديدة بين الغياب والفقد!
أنا قوية!
تشبعت خالدة الحسرات، تلك المناضلة التي ضحت سنوات طويلة من أجل الكرامة، أخبرت فقيدتها بعد أن مسحت بيديها على قبرها "اشتقتلك كتير يا ماما".
بحة صوتها تعيدنا إلى رسالتها قبل شهرين عند تلقيها خبر وفاة ابنتها حين قالت: "الخبر كتير بوجع، موجوعة لإني مشتاقة لسهى حبيبة قلبي، بس سلموا على الكل وخليهن يديروا بالهن عحالهن وطمنوهن أنا قوية.. قوية".
وكانت خالدة جرار عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، فقدت ابنتها الشابة سهى جرار في شهر يوليو الماضي ورفضت السلطات الإسرائيلية حينذاك الإفراج عنها لوداعها.
بعد اعتقال دام نحو عامين أطلق الجيش الإسرائيلي سراح الأسيرة، تجرد من إنسانيته عندما منع جرار من وداع ابنتها، وسط مطالبات لإلقاء نظرة الوداع عليها.
سؤال واحد انتشر يوليو الماضي عبر منصات التواصل الاجتماعي "هل من العدل أن تحارب خالدة لتودع جثمان ابنتها؟"، هذا السؤال جعلنا نتمعن في الحق الذي سُلب منا كفلسطينيين، حقنا في وداع أخير قبل تشييع الجثمان!
دامون وأنين!
منذ 2019 تغيب خالدة في سجن الدامون (الإسرائيلي)، حيث صدر بحقها حكم بالسجن عامين، بتهمة توليها منصبًا في تنظيم الجبهة الشعبية المحظور بأوامر عسكرية (إسرائيلية).
واعتُقلت جرار مرات عدة، قضت معظمها في الاعتقال الإداري، كما صدر بحقها قرار بالإبعاد إلى مدينة أريحا.
لم تكن قضبان دامون وحدها هي الألم بالنسبة للأسيرة خالدة، ذاك الفقد حمل معه أضعافًا من الوجع، هي الحسرة التي يتجرعها الأسير لحظة تلقيه خبر وفاة أحد أحبابه وهو مكبل اليدين تحاصره زنزانة!
نظرات خالدة وهي تجلس على حافة القبر لن تسعف حروف الضاد الكتاب أو الشعراء ليكتبوا عنها، الحرّة التي خطت على إكليل من الزهور: "حرموني من وداعك بقبلة، أودعك بوردة، أمك المحبة، خالدة"، لم تجد سوى هذه الطريقة لوداع ابنتها سهى.
"يا الله برّد قلبها وكن معها" دعاءٌ يعيد الجميع ترديده الآن بعد أن عادت خالدة حرّة، سلام وتهاني بالحرية، ودمعات لا تتوقف لأن الحسرة هذه المرّة كانت أكبر من الجميع!