قائمة الموقع

مقال: أحداث الأقصى..تمسك إسرائيلي بالقدس..بلا حدود!!

2009-10-20T08:37:00+02:00

عدنان أبو عامر       

تشير الأحداث المتلاحقة في مدينة القدس إلى رغبة إسرائيلية محمومة بالسيطرة المتواصلة عليها، وكلما مر الوقت أكثر فأكثر، تبدت الرغبة "الرسمية" من قبل حكام تل أبيب في تسهيل الفرص أمام الجماعات الدينية اليهودية، بل والضلوع ميدانياً وعملياً في تنفيذ المخططات الداعية إلى إزالة المسجد الأقصى، والتمهيد لإقامة الهيكل المزعوم.

يناقش هذا التحليل الأبعاد الإسرائيلية المستقبلية لمستقبل مدينة القدس، لاسيما بعيد انعقاد مؤتمر "أنابوليس" الدولي للتسوية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007, حيث سمعت بعض الأصوات داخل الحكومة الإسرائيلية حول إمكانية تقسيم المدينة.

رفض التقسيم

قبل استعراض المواقف الإسرائيلية من مدينة القدس، لابد من الحديث عن السيمفونية الرسمية، الحكومية والدينية، حول ما يعرف بـ"حق الشعب اليهودي" في القدس، ونفي المطالب الفلسطينية في المدينة، وتعزيز ذلك بإيراد إحصائيات ديموغرافية ومؤشرات خطيرة من داخل المدينة، إلى جانب التأثيرات الأمنية المتوقعة في حال تقسيم القدس، وهي تحذيرات صادرة من داخل أوساط نافذة من الحكومة الإسرائيلية الحالية، بما فيها رئيس الوزراء ذاته.

وتنطلق هذه المواقف من تفنيد الزعم الأساسي لبعض دعاة تقسيم المدينة من كونه ينبع من ضرورة الحاجة لإعادة التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب من سكانها، على أن يكون هذا التوازن لصالح السكان اليهود، من خلال ما يوصف في إسرائيل بـ"اقتلاع" التجمعات السكانية العربية من داخل حدود المدينة.

وتبدي هذه الأوساط السياسية والحكومية، كما يقول "نداف شرغاي" الصحفي الإسرائيلي المتخصص في شؤون القدس، ومؤلف دراسة "القدس ومخاطر التقسيم" حماساً ملحوظاً لضرورة الفصل بين التجمعات العربية واليهودية، كونه يبدو حاجة ملحة ولا مفر منها، في سبيل وضع حد للتقلص الجاري للوضع السكاني اليهودي في المدينة.

وفي ضوء هذه المخاطر الكامنة في المدينة، على الصعيد الديني التاريخي للشعب اليهودي ومقدساتها، تقترح هذه الأوساط التكيف مع "المشكلة الديموغرافية" للقدس من خلال معالجة أصلية أساسية للمشكلة من خلال البحث في حلول لظاهرة هجرة اليهود من القدس، ومحاولة التخلص منها، والقضاء عليها مستقبلاً.

وترى الدراسة الصادرة حديثاً عن معهد القدس لشؤون الدولة، أن مستقبل المدينة، يحتوي على مخاطر كبيرة، وتجعل الإسرائيليين يخسرون الكثير من النقاط، وتعرض الدولة للعديد من الإشكاليات، أهمها: بقاء الأحياء العربية، بما فيها الصغيرة، يعرض سكان المدينة اليهود، خاصة القاطنين على خط التماس على حدودها، لمخاطر أمنية صعبة ومحيطة بهم من كل جانب، أخطرها أن هؤلاء السكان اليهود سيكونون عرضة لنيران القناصة الفلسطينيين.

على صعيد آخر، فإن المخاطر المتوقعة لتطبيق قرار تقسيم المدينة، قيام عشرات الآلاف من اليهود بهجرها والرحيل عنها، كما حصل عقب حرب عام 1948، وتقسيم المدينة آنذاك، حيث غادر المدينة ما يقرب من 25 ألف يهودي، وهم ربع سكان المدينة اليهود تقريباً.

ويتوقع باحثون سياسيون إسرائيليون في تحليلات غصت بها الصحف اليومية، انتقال عشرات الآلاف من سكان المدينة العرب للسكن في الجانب الإسرائيلي من حدود المدينة التي ستغدو "مقسمة"، وهي إمكانية واقعية وقائمة بالفعل، لاسيما أن بقاء الأحياء العربية في المدينة غدت تشكل "أمراً واقعاً".

ويدفع هذا الواقع الجديد بعشرات الآلاف من سكان المدينة الفلسطينيين للانتقال والإقامة في الجانب الإسرائيلي من جدار الفصل العنصري، في ظل تراجع خيار تقسيم المدينة بصورة مقلصة، بفعل بنائه بشكل يحيط بشمال المدينة.

المشكلة الديموغرافية

على صعيد آخر، فإن هناك مخاوف إسرائيلية إلى أن معدل المواليد المرتفع في أوساط العرب المقدسيين، يتساوى تقريباً مع معدل المواليد اليهود، ما يؤثر سلباً على الصورة الديموغرافية للمدينة، علماً بأن ذلك ليس السبب الوحيد للتقلص الآخذ في التزايد بين الأوساط اليهودية.

وبالتالي فإن العنصر الأساسي الذي يؤثر على تراجع نسبة السكان اليهود في المدينة المقدسة يتمثل في نسبة الهجرة اليهودية المرتفعة منها، فالإحصائيات "المخيفة" تشير إلى أن المعدل السنوي لهجرة اليهود منها تصل إلى 16 ألفاً، وخلال الـ20 سنة الماضية غادر القدس ما يقرب من 300 ألف يهودي.

ولمواجهة هذا "النزيف" اليهودي، اقترحت نخبة من الباحثين الإسرائيليين في سلسلة من الندوات الدراسية عقدت خلال الأشهر الأخيرة جملة من الخطوات التي يمكن اتباعها لوقف معدل الهجرة هذا، ولذلك فقد أجرت عدداً من الأبحاث واستطلاعات الرأي، أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أن الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة تكمن في صعوبة العثور على فرص عمل مناسبة لليهود من جهة، والارتفاع الباهظ في إيجارات الشقق السكنية.

وتلخص جزء من التوصيات التي قدمت للحكومات واللجان الوزارية في "ضخ" المزيد من الأموال، لتثبيت العائلات اليهودية التي تشكو من ارتفاع باهظ في إيجارات السكن، وتوفير أكبر قدر ممكن من الأرباح المالية لسكان المدينة من اليهود، لكن عدداً قليلاً من تلك التوصيات وجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، والجزء الأعظم منها بقي حبراً على ورق حتى كتابة هذه السطور، كما أكد ذلك "شرغاي" في دراسته السابقة!

"موشيه هيرش" من جهته، مؤلف دراسة "القدس إلى أين: اقتراحات بشأن مستقبل المدينة"، طالب بوضع سلسلة من الخطوات أمام صانع القرار الإسرائيلي القابلة للتنفيذ، من شأن تطبيقها إحداث تغيير جوهري ذي أثر ملموس على مسألة الهجرة اليهودية من المدينة، وصولاً إلى تغيير حقيقي في معدلات التفوق الديموغرافي التي تقف في صلب خطط تقسيم المدينة المقدسة.

البعد الأمني

هذا المحور من التحليل يتركز أساساً في تتبع الآثار الأمنية المترتبة على إمكانية اتخاذ قرار ما بشأن المدينة، من خلال اعتماد الأوساط السياسية الإسرائيلية، لاسيما في ائتلاف الحزب الحاكم اليوم "الليكود، إسرائيل بيتنا، شاس" على أن خطوة تقسيم المدينة ستكشف المزيد من التجمعات اليهودية فيها أمام قذائف المقاومة ومطلقيها، بعد أن شهدت الفترة الماضية عدداً من هذه الحوادث على قلتها، في قلب المدينة وعلى حدودها، كما أن تقسيمها سيجعل جزءاً من هذه التجمعات السكانية اليهودية حتماً في مجال إطلاق القذائف والصواريخ، التي يعمل الفلسطينيون على تطويرها وتحسين قدراتها.

إلى جانب ذلك، تعود المراكز البحثية الإسرائيلية بهدف تحريضي مكشوف، بذاكرة صناع القرار في الدولة العبرية، إلى أن مدينة القدس التي تقع في صلب الصراع الديني القومي تحولت مع بداية سنوات الـ2000، إلى هدف مركزي للهجمات التفجيرية، وحصدت ثمناً باهظاً من سكان المدينة اليهود، 210 قتيلاً وآلاف الجرحى، وإضراراً شديداً بمستوى المعيشة في المدينة.

كما تستشهد بجملة من التحقيقات الأمنية والاستخبارية التي أكدت مشاركة واسعة لعرب شرقي القدس في العمليات الفدائية خلال تلك السنوات، وبالتالي تحتم المكافحة اللازمة لهذه المشاركة بالعمل على الفصل بين الأحياء العربية في القدس ونظيرتها اليهودية، لأن هناك التصاقاً كبيراً بينها لا تتعدى في الكثير من المناطق العشرات والمئات من الأمتار فقط.

وبالتالي فإن خطوة إبعاد هذه الأحياء بعضها عن بعض، باتت ضرورية وملحة لأكثر من سبب، سواء من أجل إحباط تلك العمليات من جهة، ومن جهة أخرى لتسهيل مهمة جمع المعلومات الاستخبارية، وثبت ذلك من خلال العديد من الحملات الأمنية التي قامت بها أجهزة الأمن في المدينة، كما تقول بذلك بعض الأوساط الإسرائيلية.

أخيراً.. فإن ما يحدث في مدينة القدس، وما قد يحدث في قادم الأيام، كما هو متوقع، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرجعيات الفكرية والسياسية للحكومة الإسرائيلية الحالية، وليس استجابة فقط لتوجهات بعض الأطراف فيها، أو خضوعاً لضغوط المنظمات الدينية، وهو ما قد يجعل ما تبقى من عمر هذه الحكومة حتى نهايتها، سنيناً حبلى بالكثير من المخاطر التي تهدد المدينة ومستقبلها على مختلف الأصعدة، سياسياً واقتصادياً ودينياً.

 

 

اخبار ذات صلة