لا تتوقف الهرولة نحو التطبيع من بعض الدول العربية، فقد دشنت البحرين علاقات دبلوماسية رسمية مع الاحتلال، عبر افتتاح سفارة لها على أراضيها، وذلك خلال زيارة وزير خارجية الاحتلال، يائير لابيد الخميس، وذلك في أول زيارة لوزير "إسرائيلي" للمنامة بعد اتفاق تطبيع.
اللقاءات بين مسؤولين عرب وآخرين من قادة دولة الاحتلال تعكس رغبة من الطرفين لرؤية علاقات بين العرب و"الإسرائيليين" تُنهي حالة "العداء" بينهما دون أن يكون الفلسطينيون جزءا منها، بعد ترسيخ واقع عزل المسار الفلسطيني عن العربي؛ والقبول بإدماج الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط، غير أنها تؤكد أن مسألة تجاهل الجانب الفلسطيني غير ممكنة.
وفي العقود الأخيرة تآكلت مركزية الصراع العربي "الإسرائيلي"، من وجهة نظر الحكومات العربية، بشكل تدريجي إلى حصر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما أدى إلى استبعاد الصراع من قائمة أولويات السياسات الخارجية للأنظمة العربية التي تراجع موقفها في تبني قرارات أو مواقف حازمة ردا على مواقف الدول الأخرى.
ويدرك الاحتلال وقادته أن محاولات تجاهل القضية الفلسطينية وتجاهل الحلول السياسية والاستعاضة عنها بالعلاقات مع العرب رهان فاشل.
وبحسب موقع “المونيتور” الأميركي فإن الاحتلال يجري اتصالات رفيعة المستوى مع دول عربية وإسلامية لضمّها إلى قائمة الدول المطبّعة، لكن هذه الدول “في مأزق حقيقي”، مقرّة بوجود رفض شعبي واسع للتطبيع مع "إسرائيل".
وترى الدول المطبعة وشعوبها أن الوعود التي حصلت عليها مقابل التطبيع بقيت حبراً على ورق، فلم تجن تلك الدول استقرارا سياسيا أو تنمية اقتصادية نتيجة التطبيع.
ومع انسداد أفق الحلول السياسية وعدم وجود رؤية سياسية لحل الصراع لدى حكومة الاحتلال، حاول نفتالي بينيت وضع رؤية جديدة قائمة على تقليص الصراع، طالما لا يوجد أفق لحله.
وتقوم رؤية بينيت على أن "إسرائيل" تستطيع التخفيف من آثار الصراع، لكن في الحقيقة ما يجري هو إعادة تغليف لسياسة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
ويطور بينت المفهوم، بحيث يتم منح الفلسطينيين الوهم بسيادتهم على الأرض، ويتخلص هو من تكليف متابعة وإدارة نواحي حياتهم المختلفة، بينما في الواقع يتحكم هو وجيشه في الأرض والسكان معًا.
ويؤمن بينت بحلم "إسرائيل الكبرى"، ولكنه يدرك جيدًا أن طرد الفلسطينيين لم يعد ممكنًا، كما أن فكرة ضم الضفة لم تعد أمرًا سهلاً خاصة مع رحيل ترامب ومشاريعه، لذلك يبحث ومستشاروه عن صيغة فعلية تؤمن له استمرار السيطرة على الضفة الغربية بأقل كلفة ممكنة، في ظل اقتراب احتمالات التوصل لصيغة حل مع الفلسطينيين إلى الصفر.
وتستند رؤية بينت على أمرين الأول: استمرار فرض الوقائع على الأرض عبر زيادة مصادرة الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات، والثانية مواصلة مسار التطبيع وجلب المزيد من الدول العربية إلى مستنقع التطبيع مع الاحتلال دون حل مسبق للقضية الفلسطينية، وهو هنا يحاول المزايدة على خصمه نتانياهو.
وبحسب صحيفة نيويوك تايمز فإن شعار بينيت تقليص الصراع هو سياسة قديمة يتم تأطيرها في استراتيجية علاقات عامة ذكية تخفي وراءها النية القديمة لقادة "إسرائيل" المتعاقبين، بمن فيهم بينيت لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وخندقة وجود الاحتلال هناك بشكل يعقد عملية التخلص من احتلال أراضي 1967 الذي مضى عليه 54 عاما.
ويرى من ينتقد بينيت أنه ليس مهتما بتقليص النزاع أكثر مما هو مهتم بتجاهله.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة الأسبوع الماضي لم يذكر بينيت الفلسطينيين، وبقدر ما عبر عن سياسات تعمل على تخفيف النزاع في الضفة الغربية، وأظهرت سياسات أخرى أنها تطيله ولا تقلصه.
وفي لقاء مع الصحافيين في نيويورك، قال بينيت بأن الانشغال بالقضية الفلسطينية على مدى السنين هو انشغال مهووس، ومن الأفضل تبريده بتطوير العلاقات مع الدول العربية.
لكن بينت ذاته كان يدرك أثناء حواره مع الصحفيين أن فرص تبريد الصراع مع الفلسطينيين أو تقليصه صعبة للغاية في ظل إجراءات الاحتلال الإجرامية، وأنه حينما كان يلقي خطابه في الأمم المتحدة ويتجاهل الحديث عن الفلسطينيين، كانت قوات جيشه والوحدات الخاصة تطارد المقاومين في الضفة الغربية، وتستعد لإطلاق الصواريخ من غزة.
كما أن كل التقديرات في المؤسسة العسكرية والأمنية تقول بأن الواقع الفلسطيني خاصة في الضفة الغربية والقدس مهدد بالانفجار في أي لحظة، نتيجة انسداد الأفق السياسي وإجراءات الاحتلال واعتداءات المستوطنين.
وقد أثبت الفلسطينيون أن الرهان على التطبيع مع الدول العربية بديل عن حل الصراع معهم نهايته الفشل، فقد جاءت معركة سيف القدس ليتوحد الفلسطينيون فيها في أكثر الأوقات التي كان ذلك مستبعداً فيها.