رعشة في جسده، فاضت بعدها مقلتاه دمعاً لرحيل "الجندي المجهول" الذي تنسم ورفقاء له في الأسر على يديه هواء الحرية.
ابتسامة "مهندس صفقة وفاء الأحرار" الدافئة وآخر الأمنيات التي أهداها للمحررين لحظة استلامهم كانت حاضرة خلال تلقي المحرر أسعد أبو صلاح خبر استشهاد رئيس أركان حماس أحمد الجعبري في نوفمبر 2012.
"عهد عليا ما يبقى أسير بالسجون" كلمات للجعبري ما فتئ أبو صلاح يسترجعها في ذكرى صفقة وفاء الأحرار، فخراً به وأملاً بأن تفك المقاومة ما تبقى من أسرى في سجون الاحتلال.
حق الجعبري
" فرحة أهلي وابتسامة صغاري من حولي تذكرني به دوماً لأنه صاحب الفضل بعد الله" يقول المحرر أبو صلاح (للرسالة)، معبراً عن امتنانه للجعبري حيث أصر على أن يتم ادراج اسمه ضمن قائمة المفرج عنهم، ويضيف: "نفتقد إنسانا عظيما وأبا حنونا على الأسرى وقائدا فذا سعى إلى حرية شعبه وكرامته".
ويمثل الجعبري لمحرري وفاء الأحرار الحرية والأمل بعد أن أسس لمرحلة مقبلة من الصراع مع العدو، حيث تتميز شخصيته بقدرات كبيرة جداً نقل بها كتائب القسام نقلات نوعية واضعاً لها نظاما عسكريا متينا، فمنذ اليوم الأول للإفراج عنهم وهم يبعثون برسائل شكر وامتنان للقائمين على الصفقة، وعلى رأسهم القائد الجعبري، وشهداء عملية الوهم المتبدد.
ويؤكد المحرر أبو صلاح من بيت حانون بأنه لن يوفي الجعبري حقه، موجهًا عظيم تقديره له ولتضحياته، ويؤكد على أن دماءه أمانة في عنق كل أسير محرر.
أبو صلاح هو واحد من 1027 محررا بصفقة وفاء الأحرار ممن يفتقدون مسيرة جهادية أثمرت صفقة مشرفة لأبعد الحدود.
في ذكرى وفاء الأحرار ستجتاح ذاكرتك كلماته القوية حينما سُئل الجعبري في إحدى المقابلات الصحفية: أنت أقرب ما تكون للموت، فأجاب بإيمانه ووطنيته: "هذا وطن غال وهذه قضية غالية وهذه الجنة".
بعد رحيل أبو محمد الجعبري بقصف (إسرائيلي) على سيارته يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2012، يفتقده المحررون المبعدون من الضفة، ويقول المحرر المبعد من الخليل على عصافرة: "هو قائدي وقدوتي ونفتقد شهامته".
وبلهجته الخليلية يتحدث عن اللحظات التي جمعته مع القائد الجعبري خلال الإفراج واصفاً إياها بلحظات البعث، مشيراً الى أن ذكراه محفورة بالذاكرة ودائما نستحضر مواقفه وتضحياته".
وقال المبعد عصافرة: "هو حي في قلوبنا وعقولنا وله مكانة عظيمة لا يمر يوم إلا ونذكره بخير فلولا الله ثم الجعبري لكنا في غيابة الجب".
وفاء الجعبري
ليس فقط في ذكرى وفاء الأحرار يسترجعه المحررون، فهو الحاضر في أدق تفاصيل حياتهم ولحظات سعادتهم وضحكات صغارهم وجلساتهم العائلية الدافئة يستحضرون ابتسامته وترافقهم صورته وهو يشرف على صفقة وفاء الأحرار ومراسم تسليم الجندي (الإسرائيلي) شاليط، واليوم يرقد بسلام بعدما تأكد أن المقاومة لم تخمد نيرانها، ولم تتحول جذوتها الملتهبة إلى رماد أسود.
ويطمح المحرر أبو صلاح أن تعقد صفقة جديدة لإطلاق سراح الأسرى ويطلق عليها اسم "وفاء الجعبري" وفاءً للمناضل الكبير، منوهاً الى أنه حمل هم الأسرى بعد معايشته لتجربة الأسر.
وكان الشهيد أحمد الجعبري بمثابة الجندي المجهول، يخطط من خلف الكواليس ويحرك زمام الأمور العسكرية، حتى أن (الإسرائيليين) ذكروا بأنه أذلهم في المفاوضات حول شاليط، وأعجزهم بشروطه ومطالبه، وأنه لم يبدِ قلقاً أو ضعفاً، ولم يقدم تنازلاً أو تراجعاً، ولكنه صمد حتى تمت صفقة تبادل الأسرى على يديه رحمه الله.
ويسترجع الضفاوي عصافرة أبرز وصايا الجعبري لهم وأهمها: "إياكم والدنيا لا تأخذكم كما أخذت من قبلكم وتذكروا بأنكم كنتم أمواتا فأحياكم الله، وانشغلوا بالصلاة والدعاء".
**جعبري جديد
وحينما تغفو العيون تناجي لوعة المشتاق أبو صلاح صور أبنائه بنفحة مردداً كلمات للمتنبي حفظها عن ظهر قلب: "وتطلبهم عيني وهم في سوادها.. ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي".
ويحلم أبو صلاح بيوم حرية تجمعه وعائلته ورفقاء الزنزانة، وفيما يخص إمكانية عقد وفاء احرار جديدة، قال: "الحركة ولادة وبإذن الله سيتحرر من تبقى في الأسر لأتمكن من احتضان أبنائي".
والجدير ذكره بأن المحرر أبو صلاح أفرج عنه من سجون الاحتلال ضمن صفقة "وفاء الأحرار" وترك خلفه نجليه وأقرباءه داخل السجون (الإسرائيلية).
"الرسالة" استرجعت حديثا سابقا لشقيق الجعبري أبو عاصم، حيث لفت الى أن أول ما كان يدعو به الجعبري أثناء أذان المغرب في شهر رمضان هو دعاء للأسرى، وقال: "كان يوصينا بالدعاء لهم لأنهم محرومون داخل الزنازين من أدنى مقومات الحياة".
وارتبطت تفاصيل حياة الجعبري وأهل بيته بوجع الأسرى وأناتهم الحاضرة دوماً، وفي السياق يوضح المحرر أبو صلاح بأن خلف الجعبري رجال بعظمته وحكمته، مشيرًا إلى ضرورة أن تكثف المقاومة جهودها أكثر حتى تبيّض السجون.
وعند سؤالنا للمبعد عصافرة "هل سيولد جعبري جديد؟"، سبقت بسمته كلماته وردد: "إللي خلف ما مات" نفتقده كشخص ولا نفتقد حماسه وإرادته وعبقريته موجودة في رجال كتائب القسام من خلفه".
"وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"، كلمات معنونة لصورة الجعبري في بيت عائلته بحي الشجاعية، فلدى دخولك ستحاصرك صور الشهيد من كل الاتجاهات وستدفع ذاكرتك للدعاء لصاحب أفضل مشاريع جهادية وصانع المبادرات بالرحمة والمغفرة بعد عام على غيابه.
ولا تزال عيون الأسرى داخل السجون تتوق اشتياقا لصفقة جديدة تحمل في جعبتها أحرارا جددا.