مؤمن بسيسو
تلويح أو تهديد "أبو مازن" بحل السلطة حال استمرار الاستيطان وفشل التسوية وعدم الإقرار بدولة فلسطينية في حدود العام 67 ينكأ من جديد الجرح الفلسطيني المفتوح، ويعيد إلى الواجهة حقيقة الأزمة الخانقة وطبيعة المشكلة المستعصية التي يئنّ من شدة وطأتها الواقع الفلسطيني الراهن.
باختصار، أزمتنا في استمرار وجود السلطة ككيان وظيفي وهيكل سياسي فاقد لكل مقومات البقاء وأشكال السيادة وطنيا.
قد يطلق الكثيرون على واقع السلطة الراهن نعوتا من قبيل "السلطة الورقية" أو "السلطة الكرتونية"، ويستدلون على ذلك بانعدام كافة مقومات سيادتها على أرض الواقع، لكن القول الأصح الذي ينبغي إطلاقه على حقيقة الكيان المتشكل حاليا هو لفظ "اللاسلطة"، فهو ليس مجرد سلطة ورقية أو كرتونية، وليس حكما ذاتيا محدودا، بل إن تشخيص حاله يجزم بوقوعه في دائرة "اللاسلطة" وانتفاء أي مظهر سلطوي فيه.
تأسيس كيان فلسطيني يرعى شئون واحتياجات الفلسطينيين أمر ملح للغاية، لكن هناك فارق –بداية- بين الكيان ذو الصبغة البلدية الذي لا يرتبط بسقوف والتزامات سياسية، وبين الكيان ذو الصبغة السياسية المحكوم بقيود وأثقال تفرغه من مضامينه الأساسية، وتجعل منه كيانا مسخا ذو مهام وظيفية ليس أكثر، فكيف لو اجتمع ذلك مع استباحة هذا الكيان من قبل احتلال عسكري وحشي لا يتورع عن التغول على كافة مناحي الفلسطينية وسحق كل أشكال الكرامة والنهوض لديهم؟!
تجربة السلطة في ظل الاحتلال تجربة مأساوية ذات نتائج كارثية بامتياز، فقد وضعت الفلسطينيين وبناهم ومؤسساتهم تحت رحمة الاحتلال، وأعادت القضية الفلسطينية سنوات طويلة إلى الوراء، وحرفت الفلسطينيين عن أولويات التحرر الوطني، وأشعلت نيران التناقضات الداخلية، وهدمت القيم والمبادئ والأخلاقيات الوطنية، ونزعت من الصدور حب الوطن لصالح الانحياز للرتب والوظائف والامتيازات والمصالح الشخصية الضيقة، وأهملت المواطن العادي غير المؤطر تنظيميا أو غير القريب من الدائرة الفصائلية.
حاولت "حماس" عبر انخراطها في اللعبة الديمقراطية تعديل الواقع السلطوي البائس، إلا أن دوائر المكر والخديعة والانقلاب دارت عليها، فتجرعت كأس المرّ والحنظل، ولا زالت تدفع ثمن إصرارها على المضيّ في ذات المسار حتى اليوم، وستدفع من مشروعها وأبنائها وقيادتها المزيد مستقبلا.
تهديدات "أبو مازن" اليوم بحل السلطة تحدد سبيل الحلّ والعلاج بشكل سليم، لكن ذلك يبقى في إطاره النظري المجرد، ولا يتوقع أن يترجم على أرض الواقع بحال لافتقار "أبو مازن" إلى الإرادة السياسية الحرة، وارتهانه للمال السياسي الخارجي، وعقم قناعاته واتجاهاته الفكرية والسياسية، وضعف نفوذه وتأثيره الداخلي الذي أحال الضفة الغربية إلى قطاعات سياسية وممالك أمنية ذات ولاءات وامتدادات خارجية ارتبطت مصالحها ووجودها بمصالح واستمرار الاحتلال.
المنظومة السلطوية الراهنة بحاجة اليوم إلى علاج جذري وإعادة صياغة شاملة، ومعلوم أن ذلك يعتبر من رابع المستحيلات تحت الاحتلال فضلا عن كونه يدخل في إطار المحظورات الإقليمية والدولية، فلا مناص –إذن- من حل السلطة تحت حكم الضرورة الوطنية، لإعادة القضية الفلسطينية إلى سيرتها الأولى، سيرة الشرف والطهر والإجماع الوطني.
قرار حل السلطة ليس سهلا، ويستتبع الكثير من الخطوات والإجراءات، لكنه في المقابل ليس مستحيلا، ومن الأجدر بحماس أن تدرس هذا الخيار بكل جدية لمواجهة أخطار وتحديات المرحلة القادمة، وتقويم العوج والانحراف الذي أصاب مسيرتنا الوطنية طيلة العقدين الماضيين.