أكثر ما يزعجنا هو صوت الباعة المتجولين ليل نهار، بمجرد أن يحدث أي طارئ في البلاد ويمنع التجول كما حدث وقت جائحة كورونا، نعلق بتهكم "اشتقنا لبائع الكعك، والكلور، والخضار"، لكن بالمجمل يشعر الأغلبية بضيق عند مرورهم لما يسببونه من إزعاج للطلبة والمرضى وحتى النائمين.
الوضع مختلف في مدينة القدس، فتلك الأجواء يشتاق لها المقدسيون فبفعل الاحتلال هم محرومون منها، فلا بائع ترمس ينادي ولا صاحب عربة خردة يصيح "ثلاجات غسالات للبيع".
جارة الأقصى السيدة بسمة وهي أم لثلاثة شبان وفتاة تقول إن زوجها لا عمل دائم له، لكنه يحاول من حين لآخر البيع على عربة صغيرة للأوني البلاستيكية أو الكعك، مبينة أنه يعمل "بالسرقة" ويحاول الهرب من جنود الاحتلال خشية ملاحقته ومصادرة العربة وتدفيعه غرامة مالية.
وتحكي أنها في شهر رمضان تعد وزوجها أصنافا مختلفة من المخللات ويقف زوجها بعربته أمام بيته الملاصق للمسجد الأقصى لبيعها، لكن يبقى حذرا، معقبة "حتى بلقمة عيشنا يطاردنا الجنود، لكن ما يهون علينا هو جيرتنا للمسجد الأقصى".
أما الناشط الشبابي المقدسي أسامة برهم، فقد هاتفته معدة التقرير لإجراء مقابلة حول المقابر المقدسية، وأثناء ذلك تسلل له عبر الهاتف صوت بائع الكلور حينها علق "نيالكم عندكم باعة متجولون وبسطات".
وحين استفسرت "الرسالة" عن أمنيته الغريبة بمشاهدة بسطات في القدس رد: "من يسكن القدس سيفهم أن المدينة بلا بسطات منذ سنوات، ولا باعة يحملون الخضار ويتجولون في الحواري بسيارات قديمة كباقي العواصم العربية".
وأوضح برهم "منذ أن قسم الجدار العنصري القدس وسلخها عن الضفة الغربية وتلك العاصمة بعيدة عن كل امتدادها الغزي والضفاوي، بعد أن خسرت امتدادها العربي فالوصول إليها بات حلما لا يحققه إلا المرض والعلاج في مستشفيات القدس للحالات المستعصية كالسرطان، فالدخول للمدينة شبه مستحيل، فكيف لبضائع الضفة وسمك غزة بالوصول الى تلك المدينة ".
وفي سؤال حول هل القدس حقا بلا بضائع فلسطينية، أجاب " القدس منذ سنوات بلا بضائع عربية، فهي صغيرة لا صناعات فيها ولا مساحات زراعية، أغلب سكانها موظفون بين الداخل المحتل ومؤسسات الضفة والأيدي العاملة فيها تجدها بالفنادق والمطاعم والمؤسسات الاهلية والمجتمعية وقطاع البناء".
قد يتساءل البعض لماذا لا يتم إدخال الخضراوات الفلسطينية إلى القدس، ولا دعم المنتج الفلسطيني فيها، وهنا يرد برهم "طبق البيض الواحد يتسبب بتغريمك آلاف الشواقل إن كشف عند أحد الحواجز (..) عند كل حاجز يفصل القدس عن الضفة ستجد كل المؤسسات الاسرائيلية متواجدة كالجمارك والزراعة والطبيعة والضرائب والجنود والأمن الداخلي، فتهريب كيلو لحمة "كفتة" جريمة لا تغتفر حسب قانون الاحتلال".
وعن صور البسطات في زقاق القدس التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذكر أنها قليلة لكنها مرخصة قبل احتلال 67 ومتوارثة أبا عن جد لكنها مهددة في أي لحظة، مشيرا إلى أن بسطات الكعك المقدسي ذي المذاق اللذيذ تغلق عند ساعات الظهيرة، فهو مرتبط بتاريخ وثقافة المدينة المقدسة كونه يعتبر وجبة إفطار محببة للسكان ومن يرتاد المدينة.
ويختم حديث بالقول:" يشتكي المواطن العربي من ضوضاء الباعة، وصوت السيارات التي تنادي لدرجة أنها صارت جزءا من الموروث العربي، لكن بالقدس لم يتعود أطفالنا على بائع "غزل البنات" ولا بسطة "الفول والباليلا" ، ولا يفهم ابن تلك المدينة درس الابتدائي الذي يمنع الأطفال من شراء "زواكي" من بسطة مكشوفة، أما أنا و غيري ممن عايش تلك الظاهرة فنشتاق لها و لبائع السجاد المتجول، كم هو بائس أن تعيش في مدينة بلا بسطات.