قائمة الموقع

مقال: الصهيونية العالمية من العنصرية إلى "الدولة".. قراءة موضوعية

2021-11-02T09:57:00+02:00
د. ناجي شكري الظاظا || أكاديمي ومحلل سياسي

لم يكن إعلان وزير خارجية بريطانيا اللورد "آرثر جيمس بلفور”، والذي يتكون من 67 كلمة هو ما أقام دولة الاحتلال "إسرائيل” على أرض فلسطين! فقد كان اليهود آنذاك يمثلون أقل من 5% من عدد السكان في عام 1917م. إن ما قامت به الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا من دعم لا محدود للمنظمة الصهيونية بإقامة مستوطنات يهودية لآلاف المهاجرين من كل أصقاع الأرض، ومنحهم حق حمل السلاح بل وتدريبهم عليه، وإطلاق العنان لهم لارتكاب كل الجرائم الإرهابية ضد الفلسطينيين؛ هو ما حول وعد بلفور إلى كيان و"دولة"، اعترفت بها معظم الدول المؤثرة في ذلك الوقت، ولذا فإن وعد بلفور يمثل نموذجاً للسلوك الاستعماري والبلطجة الدولية التي لا تراعي قيم ومبادئ الشعوب، فتسرق أرض الشعب الفلسطيني وتمنحها لعصابات صهيونية مارست كل أنواع الإرهاب والابتزاز، فقد بقيت المنظمة الصهيونية "منظمة عنصرية" وتمارس "التميير العنصري" ضد الفلسطينيين والعرب حتى عام 1991م، وذلك بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 عام 1975م.
بلفور نفسه هو من افتتح الجامعة العبرية في فلسطين عام 1925م أي قبل الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني "إسرائيل"، ومع استحضار تسارع الاعتراف الرسمي من الاتحاد السوفيتي ثم الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا نرى بوضوح أن إقامة "إسرائيل" هو قرار يتجاوز طموحات عصابات صهيونية إرهابية، لم يكن يجمعها سوى سجلات الإرهاب الدولي!
صحيح أن رسالة آرثر بلفور إلى البارون ليونيل روتشيلد، أحد زعماء اليهود في بريطانيا، والتي أبلغه فيها بأن حكومة بريطانيا العظمى تؤيد إقامة وطن لليهود في فلسطين قد كانت قبل 104 سنوات (1917-2021م)؛ لكن شواهد تاريخية تعاقبت لتكشف حجم الحاجة للدول الكبرى بأن تكون دولة من جنسهم وعلى طريقتهم في هذه المنطقة، فإن فكرة وجود "الدولة الحاجزة" بين المشرق والمغرب العربي هي فكرة استراتيجية وقديمة! بحيث تتولى هذه الدولة مهمة منع توحدهما أو إلتقاء الدولة العربية مرة أخرى لمواجهة التوجهات الغربية، وبالتأكيد منع قيام أي كيان إسلامي يمكن أن يتطور ليعيد أمجاد الحكم الإسلامي أو الخلافة الإسلامية إلى عصور مجدها.
لقد وقف جون بايدن الرئيس الأمريكي الحالي، في مجلس الشيوخ بعد عودته من زيارة إلى إسرائيل في منتصف عام 1973، قائلاً إنه "لو لم توجد إسرائيل، لتعيَّن على الولايات المتحدة الأمريكية إيجادها" وهذا بعد 56 عاماً من وعد بلفور المشؤوم عام 1917م. وبعد ذلك بـ 32 عاماً أخرى (2005م)، قال الكاتب اليهودي الروسي الشهير ليونيد مليتشين: "لم تكن إسرائيل لتظهر إلى الوجود، لو لم يكن ستالين أراد قيامها"! وذلك في كتابه بعنوان "لماذا أنشأ ستالين إسرائيل؟".
لقد رعت الدول العظمى تفاصيل مشروع المنظمة الصهيونية بإقامة "إسرائيل" لدرجة أن تكون "إسرائيل" جاهزة لتتقدم بطلب الحصول على عضوية في الأمم المتحدة بتاريخ 15 مايو 1948، أي بعد يوم واحد من وثيقة إعلان قيامها، ولكن الطلب لم يتم طرحه للتصويت، وتم رفض طلبها الثاني في 17 ديسمبر 1948م، لكنها بعد عام حصلت على قرار الاعتراف الدولي في 11 مايو 1949م.
ورغم جرائم الاحتلال المتتالية بحق الشعب الفلسطيني، والموثقة على شكل قرارات دولية تدين السلوك الإسرائيلي الإرهابي والعنصري، وتقارير دولية ترصد آلاف الحالات من انتهاك حقوق الإنسان، والاعتداءات على الممتلكات والمقدسات الإسلامية والمسيحية؛ إلاّ أنه من أصل 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يعترف بـ "إسرائيل" سوى 28 دولة (15 أعضاء في جامعة الدول العربية، 10 أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي) بالإضافة إلى كوريا الشمالية وبوتان وكوبا. أي أن 86% من دول العالم تعترف بهذا الكيان العنصري في مقابل 71% تعترف بفلسطين كدولة (137 دولة حتى أغسطس 2018م).
ومع كل ذلك الدعم الدولي لهذا الكيان إلاّ أن طبيعته العنصرية، وجبلته المتمردة على البشر والأعراف والقوانين الدولية، هي التي تفضحه دائماً، وهذا ما عكسته "الوقاحة الإسرائيلية" قد تجلت في سلوك مندوبه في الأمم المتحدة "جلعاد أردان" بتمزيق تقرير دولي من على منصة الأمم المتحدة لأنه يدين جرائم "إسرائيل" ضد حقوق الإنسان في فلسطين خلال معركة سيف القدس. وهو الذي دأب على مخالفة السلوك الدبلوماسي بعد كل إدانة لعنصرية "إسرائيل" أو جرائمها، باستخدامه لألفاظ نابية وغير لائقة ضد الدول التي تصوت لصالح الحقوق الفلسطينية.
وبعد 104 عاماً على وعد بلفور ومرور 73 عاماً على النكبة وإعلان إقامة "إسرائيل"؛ فإن الفلسطيني اليوم هو أكثر وعياً وإيماناً بأن استمرار مقاومة هذا الكيان الاستيطاني الاحتلالي هي السبيل الوحيد لإنهائه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وأن مراكمة الجهد النضالي والحفاظ على الثورة هو خيار الأفضل للحصول على الحقوق الفلسطينية.

فإن فلسطين كانت وستبقى أرضاً عربية ترويها أنهار الحرية التي تنبع من شرايين الثورة، فليست الوعود ولا الاتفاقيات ولا المفاوضات هي من تحمي الارض وتحرر الوطن.

اخبار ذات صلة