تمر الذكرى السنوية الرابعة بعد المائة على وعد من لا يملك لمن لا يستحق، بلفور المشؤوم، وزير خارجية بريطانيا، بينما يشتد عود المقاومة حتى باتت تطول بأفعالها الأرض المحتلة كافة.
ففي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، لتُعرف فيما بعد باسم "وعد بلفور".
بعد أعوام قليلة من وعد بلفور في عام 1920، احتل الجيش البريطاني فلسطين بشكل كامل، وتم انتداب بريطانيا عليها من عصبة الأمم (الأمم المتحدة حاليا)؛ حيث تم إدارة الانتداب بفلسطين من خلال المندوب السامي البريطاني الذي مارس بالكامل جميع السلطات الإدارية والتشريعية فيها.
وفي عام 1948، خرجت بريطانيا من فلسطين، وسلّمت الأراضي الفلسطينية لـ"منظمات صهيونية مسلّحة" ارتكبت مجازر بحق الفلسطينيين وهجّرتهم من أراضيهم لتأسيس دولتهم عليها، فيما عُرفت فلسطينيا بـ"النكبة".
ولم تتورّع بريطانيا مدعومة بعصبة الأمم عن أي عمل يحقّق لها ما أرادت، حيث سمح لليهود بتكوين جيش منفصل في الوقت الذي كانت فيه الملاحقة والاعتقال والتنكيل جزاء كل من يمتلك أي سلاح من الفلسطينيين.
وشنّت القوات البريطانية آلاف المُداهمات والحملات التفتيشية المُباغِتة على الأحياء والمناطق العربية لجمع الأسلحة ومُعاقبة المُسلّحين، حتى آخر لحظة من عمر الانتداب في الوقت الذي كانت فيه تُسلّح العصابات الصهيونية حتى بالمدافع الثقيلة والآليات.
وبعد مرور 104 أعوام على الوعد، باتت المقاومة عند وعدها بتحرير الأرض الفلسطينية كاملةً، ولم تبق هذا الوعد حبيس الأدراج، بل عملت ولا تزال على تنفيذه ليصبح حقيقة ملموسة، ولعل معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة مؤخرًا أكدت أكثر من أي وقت مضى قرب تحرير فلسطين.
فصورايخ المقاومة التي لا تزال آثارها ماثلة على كل شبر من الأرض الفلسطينية المحتلة من الجنوب وحتى الشمال، تمثل أكبر برهان على صدق المقاومة في عملها على تحقيق الإنجازات على طريق العودة والقدس.
ما سبق دفع الكثيرين من الكتاب الإسرائيليين للتحذير من خطورة المرحلة المقبلة، وأن ما قبل المعركة الأخيرة ليس كما بعدها، حتى أن الفلسطينيين في الضفة والداخل شعروا بالأمل بإمكانية تحرير الأرض على يد المقاومة المسلحة.
وكان الأثر واضحا على هؤلاء الفلسطينيين، الذي انتفضوا للمرة الأولى منذ عقود بهذا الحجم والشكل، خصوصا في مدن الداخل المحتل، التي شكلت عامل ضغط على قيادة الاحتلال، لوقف الحرب في مواجهة المقاومة.
وفي مقابل ذلك، يعيش مسار التنسيق الأمني وتصفية القضية الفلسطينية حالة من الوهن في انتظار السراب، إذ لا يزال فريق سلطة حركة فتح يراهن على الاحتلال نفسه أن يعطيه جزءًا من الحق الذي لا يعترف به، في معادلة لا يمكن فهمها سياسيًا أو وطنيًا.
ووفقًا لما تعد له المقاومة وتتحدث به، فإن بوصلتها تشير إلى معركة فاصلة تنهي فيه الاحتلال الإسرائيلي، بمشاركة عربية وإسلامية، في وقت يتجهز فيه الاحتلال علانيةً لحرب متعددة الجبهات، في وقت تتقلب فيه الأوضاع الإقليمية والدولية على الصعيد السياسي والاقتصادي بشكل غير مسبوق، قد يؤهل المنطقة لتغييرات جوهرية.