أطباء العقم حولوا الراغبين في الإنجاب إلى "بقرة حلوب"

الحكومة: ساعدنا 60 أسرة لزراعة أطفال أنابيب

الصحة: سنعاقب الأطباء المتلاعبين بالمرضى

طبيب: العلاج يتطلب وقتا طويلا وهذا ليس استغلالاً

أخصائي نفسي: ضرورة بث الأمل في نفوس الأزواج

الرسالة نت- مها شهوان

في باحة منزلها شرق مدينة غزة جلست الحاجة الخمسينية أم عامر تهدهد رضيعاً بين يديها وإخوته الثلاثة من حولها يلهون بينما انشغلت والدتهم في إعداد الطعام.

وحضر الأب ليقبل رأس الحاجة أم عامر، وهو يقول "اشتقت لك يا أمي"، مع أنها في الحقيقة ليست أمه! كما أن الأبناء ليسوا أحفادها! لأنها ببساطة امرأة "عقيم"!!

فقد ربت ام عامر ابن سلفها بعدما عجز الأطباء عن علاجها لإنجاب طفل طالما حلمت به لتشبع غريزة الأمومة المفقودة، وتوجهت لكل الأطباء وسافرت إلى مصر والأردن وخضعت لأربع عمليات زرع أطفال أنابيب، وبعد أن كلفها العلاج الكثير من المال، تبين أنه لا أمل لها في الإنجاب.

أزواج كثر غير الحاجة أم عامر لجأوا لمراكز علاج العقم، إلا أنهم تعرضوا لاستغلال  مادي من قبل بعض الأطباء الذين تخلوا عن أخلاقيات مهنتهم طمعا في جني أرباح طائلة، بعد أن حولوا هؤلاء الأزواج إلى "بقرة حلوب".

الأدوية الحديثة

وتقول الحاجة أم عامر بعينين يملؤهما الرضا:" الحمد لله الذي عوضني بابن سلفي فكان لي نعم الابن فقد أعطيته وزوجي ما نملك واعتبرناه ابننا وتعبت لجعله شابا "يرفع الراس" ثم زوجته لأنني أردت رؤية أحفادي الذين ينادونني بأجمل لقب- "ستو".

ناريمان 36 عاما تروى حكايتها والألم يعتصر فؤادها بسبب معاناتها مع أطباء العقم لإنجاب طفل يناديها بـ"ماما" قائلة:" تزوجت من ابن خالي منذ 17 عاما ، ولم يقدر لي الله الانجاب فبدأت أطرق أبواب الأطباء لرغبتي في تكوين أسرة صغيرة لكن احلامي تحطمت".

وأضافت: "تدهورت حالتي النفسية كثيرا رغم ان زوجي كان يساندني دوما لدرجة أنه سمح لي ببيع مجوهراتي  من أجل العلاج".

وتتابع وهي تضع يدها على بطنها: توقفت عن العلاج قبل عام  لاقتناعي وزوجي بما قسمه لنا الله، وبالفعل كافأنا المولي عز وجل على صبرنا فحملت بعد شهرين من وقف العلاج، وحينها لم تسعن الفرحة ولم أصدق، مشيرة إلى أنها في الشهر السابع وتنتظر مولودتها بعد غياب دام سبعة عشر عاما.

ولم تختلف قصة إسلام عمر 32 عاما كثيرا عن سابقتها، حيث عانت هي الأخرى من نفس المشكلة بعد زواجها، فقد استمرت في العلاج لستة اعوام بلا فائدة تذكر".

وتساءلت بامتعاض وغصة: "أين ضمير الأطباء؟! كل واحد منهم يطلب كشفية أعلى من الآخر، بحجة كونه الأكفأ"، متمنية أن ترزق بطفل يملأ حياتها بعد تلك المعاناة.

وقدرت إسلام حجم الأموال التي دفعتها للأطباء بأكثر من خمسين ألف دولار فقد أجرت أكثر من عملية زراعة طفل أنابيب، بالإضافة إلى سفرها للعلاج في الخارج وكذلك الحقن التي كانت تكلفها ما يقارب 300 شيكل عن كل واحدة .

وفي إحدى عيادات النساء والولادة اتكأت الشابة أميرة سعيد 27 عاما على احد الجدران منتظرة دورها في الدخول على الطبيب بصحبة زوجها.

اقتربت "الرسالة نت" منها لتتحدث عن معاناتها فسارعت بالحديث وكأنها تنتظر أحدا لتفضفض له همومها قائلة :"سئمت العلاج والانتقال من طبيب لآخر دون جدوى فكلما اذهب إلى طبيب يطلب مني إعادة التحاليل ويعطيني دواءً جديداً بحجة أنه الأفضل.

شارك زوجها في الحديث ليتطرق إلى معاناتهم مع الأطباء فيما يتعلق "بالكشفية" قائلا بأنها تختلف من طبيب إلى آخر، وهي تتراوح ما بين 80 إلى 100 شيكل.

وأشار إلى رضاه بما قسمه له رب العالمين، لكنه يصطحب زوجته لإرضاء والدتها التي تلح باستمرار عليهما لينجبا وكأن الأمر بيدهم حسب قوله.

من جهته أرجع د. بهاء الغلاييني مدير مركز البسمة لأطفال الأنابيب، ارتفاع تكاليف علاج المرضى وخصوصا المصابين بالعقم إلى تطور التكنولوجيا الذي ساهم في استعمال الأطباء للأدوية الحديثة التي تساعد على شفاء المريض بسرعة ولكنها مرتفعة التكلفة.

واستدرك:" ولكن هناك بعض الأطباء يسعون إلى الربح السريع من خلال ابتزاز الأزواج المحرومين من الإنجاب، مشدداً على أن اولئك الأطباء لا يلاقون احتراما من قبل مرضاهم والمجتمع .

ودعا الغلاييني وزارة الصحة ونقابة الأطباء ووسائل الإعلام لاتخاذ موقف ضد  الأطباء الاستغلاليين، مستغربا من عدم التزامهم بأخلاقيات المهنة.

الكثير من الأزواج يشتكون طول فترة العلاج مما يدفعهم للبحث عن طبيب اخر علهم يجدون العلاج عنده، وردا على ذلك أوضح الغلاييني أن علاج العقم عند الرجال يحتاج وقتا لصعوبة تشخيص المشكلة لديهم.

وقال:" يصر بعض الأزواج على العلاج بالرغم من إدراكهم ضآلة فرص النجاح مدفوعين برغبتهم في إنجاب الولد، لذلك يجب على الأطباء عدم إغلاق الباب نهائيا في وجوههم"، لافتا إلى أن القوانين الطبية و الشريعة الإسلامية تحرم استغلالهم".

وأضاف مدير مركز البسمة:" واجب  الطبيب إعلام المريض بوجود صعوبة لديه في الإنجاب وإخباره بنسبه نجاح العملية  وتكلفتها، وتقديم يد العون والمساعدة لتخفيض تكاليف العمليات و العلاج، ولكنني ادعوهم في نفس الوقت إلى وقف علاج الأزواج الذين ليس لديهم  فرصة بالإنجاب، بحفظ أموالهم، لان استغلالهم حرام شرعا، منوها إلى ضرورة تقديم الدعم النفسي لهؤلاء الأزواج".

الشكاوي والعقوبات

وعن دور وزارة الصحة في متابعة مراكز وعيادات النساء الخاصة، يقول مدير عام المستشفيات د. محمد الكاشف" للرسالة نت" أن وزارته تمنح التراخيص لهذه المراكز طبقا للضوابط الموجودة بالوزارة وبعد معاينة لجنة من "الصحة" عيادة الطبيب والتأكد من احتوائها على التجهيزات والقوى البشرية اللازمة".

وأشار الكاشف إلى أن وزارته تتلقى شكاوى المرضى من استغلالهم ماديا، منوها إلى أنه تتم متابعة هذه الشكاوى واتخاذ الإجراءات والعقوبات بحق المتجاوزين والمخالفين  من أجل انهاء هذه المشاكل.

وفيما يتعلق بفرص نجاح عمليات زراعة أطفال انابيب، اكد مدير عام المستشفيات ان نسبة نجاح تلك العمليات لا تتعدى 30 % في مختلف أنحاء العالم، لذلك لا يمكن الحكم على الاطباء بالتقصير وخداع المرضى .

وحول إمكانية وجود عيادات حكومية متخصصة بعلاج العقم في السنوات المقبلة ، قال الكاشف:" هذه الخدمة لا يمكن توفيرها لاختلاف حالات العقم وصعوبة تحديدها في كل مرة".

وأفاد الكاشف في الوقت ذاته أن "الصحة" تفحص الحوامل وتقدم الأدوية اللازمة لحماية الجنين، بالإضافة إلى الصور الإشعاعية وتقديم الخدمات قبل وبعد الولادة.

دور الحكومة

وفي سياق متصل، قدمت لجنة المساعدات الحكومية 33 ألف دولار كمساعدة لـ 60 حالة تحتاج لزراعة أطفال الأنابيب في قطاع غزة ، من أجل  مساعدتها في البدء بإجراء برنامج الزراعة.

وذكر د. مجدي أبو عمشة رئيس لجنة المساعدات الحكومية أن مشكلة العقم وأطفال الأنابيب من المواضيع الحساسة لتأثيراتها النفسية والاجتماعية على الأزواج ،داعيا الحكومة لحل تلك الأزمة من خلال تقديم المساعدات التي تمكنها من رسم البسمة على شفاه الأزواج.

وفيما يختص بالمساعدات التي قدمتها الحكومة لزراعة أطفال الأنابيب قال:" وصلنا كم هائل من الطلبات لمساعداتها، ودرسنا الحالات وناقشناها  وسيتم تقديم الدعم للحالات المحتاجة.

وحول كيفية اختيار الحالات المحتاجة قال أبو عمشة:" تقدم ما يقارب الـ 1200 حالة من كافة أنحاء القطاع وسيتم الاختيار وفق معايير محددة، فمثلا كبار السن والأكثر فقرا لهم الأولوية بالمساعدات"، مشيرا في ذات الوقت إلى انهم لا يستطيعون مساعدة كافة الحالات بسبب ضعف الامكانيات.

يذكر أنه تم توزيع المساعدات علي كافة محافظات قطاع غزة حيث استفادت منها 17 حالة من محافظة الشمال و14 في غزة و 7 في محافظة الوسطى و 13 في خان يونس 9 حالات أخرى في رفح ، فقد وقعت لجنة المساعدات اتفاقية مع مراكز زراعة "أطفال الأنابيب" لمساعدة المواطنين الذين يعانون من العقم .

وفي سؤال طرحته "الرسالة نت" عن إمكانية شروع الحكومة ببناء مراكز مختصة لمعالجة العقم رد أبو عمشة قائلا:" طرحت الفكرة على الجهات المختصة ويتم مناقشتها لاسيما وأنها تحتاج لتكلفة مادية عالية".

قشة أمل

وعلى صعيد آخر قال الأخصائي النفسي د. أنور العبادسة :"إنجاب الأطفال جزء من تكوين الأسرة حيث وصف الله الأبناء بزينة الحياة الدنيا فوجودهم يقوي العلاقة الزوجية ويعزز التفاعل المشترك بينهما  ويحقق الإشباع العاطفي والنفسي للزوجين".

وأضاف العبادسة:" فقدان الأبناء يخلق فجوة وخللا في واقع الأسرة نتيجة عدم إشباع فطرة الأمومة والأبوة مما يترتب عليه الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية بين الزوجين تؤول إلى تعدد الزوجات أو الطلاق وسوء التوافق بينهم".

وتابع:" صبر الزوجة على عدم  الانجاب لا يعني استغناءها عن عاطفة الأمومة ، فشعورها بالحرمان سيظل قائما بالإضافة إلى حساسيتها تجاه أي سلوك له علاقة بتفكيرها بعقدة النقص، مبينا أن حسن العشرة من طرف الزوج عامل مخفف للأزمة لكن لا يحلها جذريا .

وارجع تحمل الزوجة لهذا الأمر بالقول:" في حال طلبت الطلاق ستكون خياراتها أصعب لأنها ستتزوج على ضرة.

يشار إلى أن الكثير من الأزواج الذين يفقدون الامل في الإنجاب لا يقبلون بواقعهم ويتنقلون من طبيب لآخر علهم يجدون مرادهم،  وعن ذلك لفت د. العبادسة إلى أن الانسان لا يفقد الأمل في الحياة ، لذا فهو دائم البحث عن الخيارات والاحتمالات حتى ولو كانت ضعيفة.

وأضاف:" البحث عن الأمل في الإنجاب جزء من الفطرة الطبيعية، فالأزواج يسعون دائما لإنجاب طفل حتى ولو ظن الآخرون أنهم يجرون وراء الوهم والسراب .

كثرة السؤال والاطمئنان عن وضع الأزواج الذين لم يرزقوا بأطفال يؤدي إلى شعورهم بالتوتر وعن ذلك طالب العبادسة الأهالي بإعطاء أبنائهم نوعا من الخصوصية، وعدم  طرح  الأسئلة الكثيرة حول تأخر انجابهم، باعتباره قدرا ربانيا وابتلاء يحتاج للاحتساب والصبر والتكيف الاجتماعي خشية الابتعاد عن الآخرين.

ويبقى الأزواج معلقين بقشة أمل علهم يرزقون بأطفال يملئون حياتهم وينادونهم بـ "ماما ،بابا" فنعمة الأمومة والأبوة يتعطش المحرومون من الإنجاب لتذوقها.

 

البث المباشر