يبدو أن الحكومة البريطانية تعيد رسم ملامح ما ارتكبته من خطيئة سياسية تاريخية بحق الشعب الفلسطيني ابان وعد بلفور، والذي منحت بموجبه "تأسيس وطن قومي لليهود" على أرض فلسطين ابان الحرب العالمية الأولى، لكن هذه المرة بمحاربة وتصنيف مكون أساسي من الشعب الفلسطيني وهي حركة حماس بـ "الإرهاب".
وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل المعروفة بخلفياتها الأيديولوجية والسياسية وانتمائها لحزب المحافظين الذي كان ينتمي له بلفور إبان عهده، وهو نفسه الحزب البريطاني الذي يعطي ولائه كاملا للاحتلال الإسرائيلي، تحاول باتيل تقدم نفسها على أنها وزيرة في حكومة نفتالي بينت وتسعى لكسب الرضى الإسرائيلي من وراء هذا القرار.
ويمكن القول إن طرحها لهذا القرار بقانون واعتزامها عرضه على البرلمان البريطاني لإقراره الأسبوع المقبل لتصنيف حركة حماس "تنظيما إرهابيا"، وتهدّد كل من يناصر الحركة بعقوبة السجن التي قد تصل إلى عشر سنوات، يحمل في طياته العديد من الدلالات يمكن قراءتها على النحو الآتي: -
أولا: القرار جاء بضغط من اللوبي والحركة الصهيونية على مفاصل الحكومة البريطانية بعد تعاظم الدعم والتأييد من الرأي العام والشارع البريطاني والتعاطف مع القضية الفلسطينية، خاصة خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو الماضي، وهي محاولة لأود أي تعاطف شعبي أو دولي يدعم فلسطين بحجة أنه دعم لحماس.
ثانيا: يأتي في ظل عدم وجود أي نشاط أو مكاتب أو تواجد لحركة حماس في بريطانيا وامتدادا لتصنيف كتائب القسام منظمة إرهابية عام 2001، مما يعني أنه سيستهدف أي فلسطيني أو غيره من الأشخاص الذين يدعمون القضية الفلسطينية؛ بحجة هذا القرار.
ثالثا: محاولة من بعض أطراف بريطانية تقديم نفسها على أنها حامية للمشروع الصهيوني وتمثل دعم مطلق له بل ذهبت أبعد من ذلك وكانت "ملكية أكثر من الملك نفسه" عندما غلّظت العقوبة التي ستقررها لمن يثبت له أي صلة أو يدعم حركة حماس بالسجن لمدة 10 سنوات، وهو ما لم تفعله "إسرائيل" نفسها، مما يدلل على حجم العداء للشعب الفلسطيني.
رابعا وأخيرا: فإن هذا القرار يدلل على حجم الأثر الذي أحدثته حركة المقاطعة العالمية للكيان الإسرائيلي وما لعبته من دور هام في الدول الأوروبية لحشد الدعم والتأييد ومناصرة القضية الفلسطينية وفضح جرائم الاحتلال، وهو ما دفع بحكومة الاحتلال الضغط على بريطانيا لإصدار هذا القرار في محاولة لتجريم أي دعم للقضية الفلسطينية مستقبلا والحد من تحركات أفراد وأعضاء حركة المقاطعة بذريعة دعمهم لحركة حماس.
في نهاية المطاف فإن المطلوب هو تكثيف الدعم والحشد الدولي وتعزيز المواقف الضاغطة وممارسة الدبلوماسية الناعمة لإدانة هذا القرار، وقد نجحت حماس في ذلك على المستوى المحلي، وهو بحاجة للتعزيز أكثر على الصعيد الدولي والخارجي من أجل الضغط على الحكومة البريطانية للعدول عن هذا القرار الذي يمس مكون مهم وأساسي من الشعب الفلسطيني.