كل شيء في هذه الأرض يثبت أنها لا تجوز لحياتين، حياة الظلم والطغيان إلى جانب حياة شعب يبحث عن السلام، وهذا الدرس الذي تربى عليه فادي أبو شخيدم في مسقط رأسه في مخيم شعفاط، وهذ ما تعودت عينيه على رؤيته.
طفل نشأ على جرافات الاحتلال التي تهدم وتقتحم المخيم، وتصادر الأراضي والبيوت والجدران، وتقتل ما استطاعت أن تقتل، فعرف الرسالة وحفظها.
درس أبو شخيدم الشريعة الإسلامية والماجستير وهو يحضر الآن الدكتوراه، أو قبل ساعات فقط كان يحضر للدكتوراه، حينما كانت الأحلام تختلف عنها ما بعد هذه الساعات، فقد كان راعيا ومعلما في مساطب العلم في المسجد الأقصى.
المعلم في مدرسة الرشيدية في القدس، تيقن أن الطريق إلى القدس لا يمر إلا من فوهة البندقية، فترك كل الطرق الأخرى التي لوثت بها الوطنية، وعاد إلى بقايا بندقية قديمة.
كان الظلم قريبا جدا، والمقاومة هي العين التي يرى بها أهل القدس، لما حل في حياتهم من استفحال وقح للاستيطان، وانتهاك لحرمة الأرض والمقدسات الإسلامية، فانتفض أبو شخيدم كغيره.
وقبل أن يغادر إلى حيث أراد بسلاحه البدائي كتب عبر صفحته على فيس بوك" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}، إن قضية المسرى قضية ربانية يدبرها الله بعظيم حكمته وعظيم قدرته، ويختار لها من يشاء من عباده، ويضعهم حيث شاءت أقداره.
وهكذا اختار الشهيد الأربعيني أن يضع نفسه في الموضع الذي يليق بمعلم مرابط من مرابطي الأقصى الشريف، تاركا وراءه زوجة وخمس أبناء، وحمل سلاح الكارلو" القطعة الوحيدة المتبقية بعدما ضيق الاحتلال ببركة تنسيقات السلطة، الخناق على كل أشكال المقاومة.
داخلا من حارة السلسلة كما اعتاد كل صباح، سائرا نحو الأقصى، وكأن الطريق هناك أصبح يحمل اسمه، طريق يحفظه العابرون وهو منهم، أطلق رصاصاته في وجه ثلاثة جنود، مات أحدهم على الفور، بينما ينتظر الثاني في موت سريري، قبل أن يطلق مجموعة من الجنود النار على الثائر أبو شخيدم ويرتقي شهيدا.
استنفر المحتل الذي لا يعرف سوى لغة القتل، ويدعي أنه يريد السلام، وأغلق كل المنافذ المؤدية إلى البلدة القديمة، والأهم، هو فرار المقتحمين اليهود الذين كانوا في جولة استفزاز للمصلين في الأقصى.
وفي غزة نعت حركة حماس الشهيد شخيدم موضحة أنه أحد قادتها في مدينة القدس، في حين اعترف الاحتلال أن الشهيد كان معروفا ومداوما على الصلاة في المسجد الأقصى، وهكذا ترجل العاشق فداء للأمكنة التي لا تقبل الظلم.