كشفت هيئة بحثية أميركية عن وجود منظمة جديدة في الولايات المتحدة اسمها "مشروع الديمقراطية في تركيا" تسعى لتمرير سياسات أميركية تستهدف تركيا، وأضافت الهيئة البحثية أن هناك مؤشرات على أن تمويل المنظمة الجديد يأتي من دول في الشرق الأوسط، ويقف وراءها ناشطون وسياسيون موالون لإسرائيل ولدول عربية خليجية.
وقال باحثان في مركز "ريسبونسبل ستايت كرافات" (Responsible Statecraft) التابع "لمعهد كوينسي" (Quincy Institute)، في تقرير لهما، إن المنظمة (مشروع الديمقراطية في تركيا) ترمي إلى دفع سياسات خارجية أميركية مناهضة لتركيا، وقال تقرير الباحثين إن المنظمة دشنت أعمالها في صيف هذا العام، من دون وجود أي مواطن تركي ضمن طاقهم عملها أو مجلس إدارتها.
ونقل التقرير عن سارة لي ويتسن مديرة منظمة "الديمقراطية للعالم العربي الآن" -المعروفة اختصارا باسم "دون"- تعليقها بأن خلفيات المسؤولين عن المنظمة التي تستهدف تركيا تنمّ عن أهداف سياسية وليست إنسانية، معتبرة أن استهداف "ديمقراطية معيبة" في الشرق الأوسط في حين يدافع أعضاء مجلس إدارتها عن بعض الملكيات المطلقة في الخليج العربي، وعن دولة الفصل العنصري في إسرائيل، وعن الدكتاتورية في مصر "لهو أمر يوحي بأن هدف المجموعة هو سياسي، وليس مبنيا على المبادئ".
من يقف وراء المنظمة؟
وكان الباحثان إيلاي كليفتن ومرتضى حسين قد كشفا في تقريرهما أنهما قد بحثا في أسماء من يقف وراء منظمة "مشروع الديمقراطية في تركيا"، فوجدا أن منهم فرانسيس تاونسيند التي كانت مسؤولة ملف الإرهاب في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، ومعها السيناتور السابق المتشدد جوزيف ليبرمان الذي كان من أكبر المروّجين للحرب على العراق، ومنهم أيضا جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويعرف بولتون بعدوانيته.
وقال الباحثان في تقريرهما إن المنظمة لديها صلات بشبكة من مجموعات الأموال السوداء المموّلة بشكل جيد، وتروّج لمواقف السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، التي تتوافق مع المصالح الأمنية لإسرائيل، ولعدد من الدول العربية في المنطقة.
يذكر أن اصطلاح الأموال السوداء يشير إلى التمويل الخفي، أو غير الواضح في المجال السياسي.
قال الباحثان إيلاي كليفتن ومرتضى حسين في تقريرهما إن منظمة "مشروع الديمقراطية في تركيا" لديها صلات بشبكة من مجموعات الأموال السوداء الممولة بشكل جيد، وتروّج لمواقف السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، التي تتوافق مع المصالح الأمنية لإسرائيل، ولعدد من الدول العربية في المنطقة.
غير أن من أهم ما أورده الباحثان كليفتن وحسين قولهما في التقرير إن من يقف في قلب كل ذلك هو مارك والاس، السفير السابق لإدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش لدى الأمم المتحدة. ويضيف التقرير أن والاس هو حاليا رئيس ليس فقط لمشروع الديمقراطية في تركيا، ولكنه أيضا رئيس منظمة مناهضة لإيران هي "متحدون ضد إيران النووية" (UANI)، ورئيس "مشروع مكافحة التطرف" (CEP)، وأيضا رئيس لمنظمة غير ربحية قائمة على الفنون، وتركز على حقوق الإنسان في إيران تسمى "بيكان آرت كار" (PaykanArtCar).
وأضاف التقرير أن 8 من أصل 11 من كبار قادة منظمة مشروع الديمقراطية في تركيا وأعضاء المجلس الاستشاري لها يشغلون مناصب في منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، و"مشروع مكافحة التطرف" أو كليهما.
"مشروع مكافحة التطرف المتحد"
وقال تقرير الباحثين إن كل هذه المنظمات المذكورة تقع تحت مظلة منظمة أكبر وأشد نفوذا اسمها "مشروع مكافحة التطرف المتحد"، التي جمعت مبلغا ضخما بلغ 101 مليون دولار بين عامي 2016 و2019، وذلك وفق مراجعات لملفات الضرائب.
ويقول تقرير الباحثين عن "مشروع مكافحة التطرف المتحد" إن المعطيات المذكورة تجعلها من "أكبر شبكات الضغط في السياسة الخارجية العاملة الآن والمحسوبة على التمويل الأسود".
ووفق موقع المنظمة نفسها الذي تفحصته الجزيرة، فإن هذه الهيئة تقول إن دورها هو توعية العامة "ضد التطرف والجماعات المتطرفة ومحاربتها للحرية".
وأورد تقرير كليفتن وحسين أن أحد أكبر المستثمرين والداعمين للمنظمة هو توماس كابلان المعروف بتمويله وتأييده الصريح لجماعات الضغط الخاصة بملف إيران التي يديرها والاس، كما أن كابلان يحتفظ بعلاقات تجارية وخيرية واسعة النطاق مع دولة الإمارات، وبعضها علني.
في محاولة لتقفّي مزيد من مصادر التمويل للأشخاص الذين يقفون خلف المنظمة التي تستهدف تركيا، استند الباحثان إلى مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي صدرت قبل بضع سنوات، ويعتقد أنها من حساب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وتظهر هذه الرسائل سعي الشبكة التي يقف وراءها كابلان وولاس للحصول على تمويل.
مصادر تمويل المنظمة الأكبر
وفي محاولة لتقفّي مزيد من مصادر التمويل للأشخاص الذين يقفون خلف المنظمة التي تستهدف تركيا، استند الباحثان إلى مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي صدرت قبل بضع سنوات، ويعتقد أنها من حساب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وتظهر هذه الرسائل سعي الشبكة التي يقف وراءها كابلان ووالاس للحصول على تمويل، إذ أشارت رسالة إلكترونية من والاس إلى السفير العتيبة بتاريخ الثالث من سبتمبر/أيلول 2014 إلى ما يسمى بـ"تقديرات التكلفة" لمنتدى يجري التحضير له.
وأشار تبادل آخر لرسائل البريد الإلكتروني المسربة بتاريخ يناير/كانون الثاني 2015 إلى دعم الإمارات لمنظمة "مشروع مكافحة التطرف"، إذ طلبت فرانسيس تاونسند دعم السفير الإماراتي في واشنطن في ترتيب اجتماعات مع مسؤولين إماراتيين، واختتمت تاونسند بريدها الإلكتروني بشكر العتيبة على "دعمه لجهود المشروع".
ومرة أخرى في أغسطس/آب 2016، كتب السيناتور الجمهوري السابق نورم كولمان إلى السفير العتيبة من أجل توفير الوضع الضريبي لمنظمة "مشروع مكافحة التطرف"، وهو ما يسمح لها بتلقي التبرعات من الأفراد.
نموذج لمنظمات الضغط بأميركا
يذكر أن إسرائيل تعتمد على عدد من منظمات الضغط التي غالبا ما تأخذ طابع البث السياسي، ومنها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" الذي يعدّ الفرع البحثي للجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة، المعروفة اختصارا بـ"إيباك" (AIPEC)، كما يوظف المعهد عددا من الباحثين العرب ويصدر العديد من الإصدارات باللغة العربية والإنجليزية.
ويعدّ هذا النموذج من منظمات الضغط ناجحا في تمرير سياسات في الولايات المتحدة، فقد تم توظيف عدد من الباحثين في هذه المنظمات في إدارات أميركية متعاقبة، وعمل بعضهم في القناة التلفزيونية "الحرة" التي تمولها الحكومة الأميركية والصادرة باللغة العربية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير الاستقصائي نُشر بالتزامن مع موقع "ذي إنترسيبت" (The Intercept) الأميركي للصحافة الاستقصائية، ويعدّ هذا العمل الاستقصائي من أحدث الأمثلة على تواتر مؤشرات توضح التلاقي المتزايد للأجندة السياسية الخارجية لبعض دول منطقة الشرق الأوسط مع المصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة.
المصدر : الجزيرة