الرسالة نت - هادي إبراهيم
رسمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية، في خطاب لها مطلع هذا الأسبوع معالم تحرك الادارة الاميركية في المرحلة القادمة إذ اشارت الى أن بلادها ستطلب من السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني تحديد مواقفهما وبدون تأخير بشأن قضايا الحل النهائي، ومن ثم ستعمل على تضييق الفجوة بطرح اسئلة صعبة تتوقع إجابات موضوعية عليها.
ويمثل هذا الرسم الجديد مدى عمق العقلية الأمريكية التي تسعى إلى تذويب وتفتيت القضية الفلسطينية من خلال وضع الطرف الفلسطيني الأضعف في الزاوية إذ أن مطلب وقف بناء المغتصبات من قبل سلطة رام الله أصبح في خبر كان بحسب مراقبان للشأن الفلسطيني.
ويرى الكاتب والباحث السياسي المخضرم عبد الستار قاسم أن الموقف الأمريكي الجديد لا ينم على تراجع بل مبني على فكر ممتد منذ العام 1945.
ويوضح قاسم المنبوذ من قبل سلطة فتح في رام الله أن ما طرحته الوزير كلينتون يأتي في سياق المصالح الأمريكية الصهيونية وهو نتيجة للغباء والبلاء الفلسطيني الذي فقد البوصلة منذ أن أصبح عبداً للمال القادم من كل أقطار العالم عبر القناة الأمريكية.
وكانت كلينتون قد رسمت الطرح الجديد أمام العديد من المسؤولين السياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين والاميركيين بينهم سلام فياض رئيس "حكومة رام الله" في مؤتمر لمعهد سابان في مركز بروكينغز إذ قالت "حان الوقت لمعالجة القضايا الاساسية لهذا النزاع: الحدود والامن والمستوطنات والمياه واللاجئين والقدس نفسها".
وقرر الوزيرة الأمريكية إيفاد السيناتور جورج ميتشل إلى منطقة الشرق الأوسط للتسويق للخارطة الجديدة ومن ثم يطير إلى عواصم عربية وأوربية لوضعهم في صورة ما جرى.
لكن قاسم الذي يحاضر العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس نبه إلى أن الوزيرة الأمريكية اختارت التوقيت المناسب لكي تقذف بكرة لاهبة جديدة في مسرح الشرق الأوسط تريد من خلال كسب مزيد من التنازلات من الفلسطينيين والعرب.
ويؤكد قاسم أنه طالما هناك من يلهث خلف السلطة والمال والمناصب فإن الحقوق الفلسطينية ستشهد مزيداً من التفتيت والتجزئة، مبيناً ان خيارات الذهاب إلى الأمم المتحدة لن يؤدي سوى إلى المزيد من التنازل.
ودلل الكاتب والمحلل السياسية على ما طرحه بالقول: أليس أمريكا هي من أعطت ودعمت إسرائيل عندما أقامت دولتها على الأراضي الفلسطينية إذً كيف ستعترف واشنطن بالدولة الفلسطينية وهي تسعى من خمسة وستين عاماً إلى تذويب وتشتيت هذا الشعب في أصقاع الأرض.
وكانت واشنطن أعلنت الأسبوع الفائت عن توقفها عن مطالبه الحكومة اليمنية المتطرفة بزعامة نتنياهو عن التجميد الجزئي للاستيطاني في الضفة الغربية مقابل استئناف مفاوضات التسوية.
من جانبه، اعتبر كاتب متخصص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي خالد وليد محمود أن اعتراف واشنطن بعجزها عن "إقناع" (إسرائيل) بتجميد الاستيطان، يعني الاعتراف بفشلها كوسيط نزيه في العملية السلمية، كما يعني أن الوساطة الأمريكية سقطت في الماء ولم تنجح كل الجهود الدبلوماسية في إقناع الطرف الإسرائيلي بضرورة إيقاف عملية الاستيطان السرطانية كي تمضي عملية "التسوية" قدما وبهذا تكون واشنطن قد أغلقت فصلاً من فصول انفرادها وتفردها بملف الصراع!
وبحسب محمود فإن المبعوث الأمريكي جورج ميتشل قد جاء مرة أخرى يسوق بضاعة فاسدة ضمن لهجة ممجوحة لا ينبغي أخذها بكثير من الجدية! فميتشل يدرك أكثر من غيره أن مشكلته ببضاعته الفاسدة والمستعملة والتي لا يتوانى على تقديمها دون أي ضمانات، ودون أن ينحاز للضحية، بينما مستعد لسماع الجلاد والتماس الأعذار له. بضاعة واشنطن التي يسوقها المندوب ميتشل باتت لا تغري أيا من الأطراف. لأنها بضاعة كسدت ولا تروق لأحد. ربما جاء هذه المرة ليؤكد للمرة الألف، بأنّ أي إدارة أميركية لن تمتلك القدرة في الضغط على (إسرائيل) أكثر مما حدث فعلاً!
وشدد الكاتب الفلسطيني على أن (إسرائيل) غير راغبة في التسوية وهي غير مستعدة أصلاً للعدول عن سياستها التوسعية وبرنامجها الاستيطاني، سواء ضغطت الإدارة الأمريكية أو ضغط المجتمع الدولي، فالدولة العبرية تدرك ما لا يدركه الآخرون بأن أمريكا لا يمكن لها أن تقف ضد طموحاتها مهما كانت المبررات، وحتى إدارة أوباما التي قدمت للبيت الأبيض حزمة من الوعود وقفت على تلك الحقيقة المرة في أنه لا صوت يعلو على صوت الصلف الإسرائيلي ورغباتها المتعددة.
ونصح محمود السلطة الفلسطينية أن يعوا حقيقة العجز الأمريكي من التأثير على تل أبيب والضغط عليها، وأن يعيدوا قراءة المشهد بعيداً عن العيون الأمريكية وبرغبة داخلية في إعادة تشكيل رؤية موحدة تجمع كل قوى المجتمع الفلسطيني دون إقصاء أو تهميش وتؤسس لمواقف محرجة لـ(إسرائيل) ولأمريكا.
وأوضح أن سياسة الهرولة نحو سلام بشروط إسرائيلية مذلة قد أثبتت التجربة أنها لا تؤدي إلا لمزيد من الإهانات للحقوق الفلسطينية والعربية.. أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى هدد بأن العرب لديهم "بدائل وخيارات" إذا فشلت المفاوضات ورئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس لوّح بحل السلطة وبأن لديه أوراقاً وبدائل سبعة ستظهر في الوقت المناسب! ولا نعرف بالضبط أي وقت أنسب من هذا لتنفيذ وعيده وتهديده.