بقدر ما كانت تصريحات المصدر القيادي بحماس للجزيرة حول الاستياء من سلوك الوسيط المصري، وحالة التسويف والإهمال للملفات المتعلقة بالهدوء والإعمار، مفاجئة للجميع، إلا أنها تعكس الواقع الذي تعيشه الأرض الفلسطينية بعد معركة سيف القدس.
ورغم أنها المرة الأولى التي تعبر فيها حماس علانيةً عن غضبها من الوسيط المصري، بصفتها الراعي الحصري لاتفاق الهدوء الذي أنهى معركة سيف القدس في مايو الماضي، إلا أنه جاء ترجمة لما يدور في رأس المقاومة من توجهات لا مجاملة فيها لأحد.
فالاعتداءات في القدس ما زالت مستمرة، بينما أصحاب البيوت المهدمة دخل الشتاء وهم في العراء بانتظار الإعمار، وكذلك لم يلتزم الجانب المصري بما يتعلق به من وعود، بالتخفيف عن المسافرين، بل منع الآلاف من مغادرة غزة دون سبب.
وفي ظل الظروف الدولية والإقليمية، والتقلبات التي ما زالت مستمرة، في العلاقات بين مصر وتركيا وقطر والإمارات وإيران والسعودية، وحالة النفير الفلسطيني في مدن الداخل والضفة والقدس، وضعف السلطة في مواجهة الشارع، يبدو أن المقاومة الفلسطينية ترى نفسها في ظروف أفضل لإعلان التصعيد مع الاحتلال حتى الاستجابة للمطالب المشروعة.
وما جاء في تصريحات المصدر القيادي بحماس للجزيرة: إن القيادتين السياسية والعسكرية للحركة تدرسان خيارات التصعيد في ظل استمرار الحصار، والتباطؤ في إعادة الإعمار، وتفاقم الأزمات الإنسانية، مشيرًا إلى أن استمرار الاعتداءات على المسجد الأقصى ومصادرة الأراضي وتشديد الإجراءات ضد الأسرى صاعق سيفجر الأوضاع من جديد، حسب تعبيره.
وحسب القيادي في حماس، فإن الخيارات المطروحة هي التصعيد الشعبي، وكسر الحصار البحري بقوة المقاومة كما أن الخيار العسكري مطروح بقوة، قائلا "لن نسمح باستمرار الوضع الحالي، والمرحلة القادمة ستثبت مصداقية ما نقول".
وعبّر المصدر عن استياء الحركة من سلوك مصر التي تتلكأ في تنفيذ وعودها تجاه غزة، ولم تلتزم حتى اللحظة بما تعهدت به للحركة والفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بإعادة الإعمار، موضحا أن مصر تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع غزة"، متهما إياها بمنع الآلاف من السفر من القطاع دون مبرر.
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن كل المؤشرات في الساحة الفلسطينية تشير إلى عودة أجواء ما قبل معركة سيف القدس، سواء على صعيد القدس أو الضفة وغزة أيضًا.
وأضاف الصواف في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن إمكانية التصعيد باتت قائمة أكثر من أي وقت مضى في ظل عدم وجود تقدم في أي ملف من الملفات التي تتوسط بها مصر ثم إن هناك إرهاباً صهيونياً يجري في القدس وأحيائها وفي الضفة.
وأوضح أن عمليات القتل والاعتقال والاعتداءات والاستيطان التي تسجل يوميًا مؤشرات تؤكد أن التصعيد بات هو الحل في ظل تعثر الوسيط المصري وعدم تمكنه من فرض ما تسعى المقاومة إلى تحقيقه.
ويرى أن الأمور تسير في اتجاه التصعيد بالتدريج من غزة أو الضفة وإذا لم يلتزم الاحتلال بما تم التعهد به بعد معركة سيف القدس خلال المراحل الأولى للتصعيد، فإن الأمور ستصبح في حالة من التصعيد غير محمودة العواقب.
أما الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل فيرى أن مستوى النقد وصراحته والتعبير عن حالة من الغضب وليس عدم الرضا فقط كان مفاجئًا، في ظل علاقة جيدة ومطلوب أن تستمر بمستواها الجيد بين مصر والفصائل الفلسطينية لأسباب لا تخفى على أحد.
وقال عوكل في اتصال هاتفي مع "الرسالة": "المشكلة تتمثل في عجز الجانب المصري عن تحقيق إنجازات من خلال الضغط على "إسرائيل"، بالتزامن مع اعتداءات إسرائيلية متواصلة في كافة أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة:
وأضاف: "إسرائيل" قدمت تسهيلات محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين تشن حربا حقيقية وإجرامية على الفلسطينيين في الضفة والقدس، والداخل المحتل أيضًا، وبالتالي الوضع غير محتمل، فيظل أن كل شيء ما زال على حاله بخلاف تمرير المنحة القطرية.
وأشار إلى أننا بتنا أمام تلاعب "إسرائيلي" ملموس، إلا أن الإنذار الذي أصدرته حماس أمس يعطي فرصة لتدارك الموقف من خلال تحريك الوضع بطريقة مختلفة، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية لا زالت مصممة على استمرار الهدوء لفترة أطول مع قطاع غزة، وبالتالي تستطيع مصر أن تجند ضغطً أوسع على "إسرائيل" للالتزام بإجراءات أفضل لتحسين الوضع.
وبيّن أن الفرصة المتاحة الآن ليست طويلة؛ لأن المقاومة الفلسطينية والوسطاء يعلمون جيدًا أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لن تتغير في أفكارها وقناعتها، ولن تمنح شيئا للفلسطينيين دون ضغط، وعليه فإن التصعيد قادم لا محالة.