من الواضح أن السلطة الفلسطينية تحاول ممارسة لعبة الإلهاء من خلال ما يسمى المرحلة الأولى من انتخابات بعض الهيئات المحلية في مناطق الضفة المحتلة والتي بدأت اليوم وسط مقاطعة ورفضا شعبيا.
إصرار السلطة على إجراء الانتخابات رغم الرفض الواسع لها ومقاطعة 47 هيئة محلية في الضفة، يعكس العقلية المتفردة بالقرار الفلسطيني والتي تعطل اجراء الانتخابات العامة وهي الأهم في الوقت الراهن؛ لترميم البيت الفلسطيني وتوحيد الموقف في مواجهة الاحتلال.
ويبدو أن السلطة تسعى من خلال إجراء هذه الانتخابات القروية إلى إشغال الشارع الفلسطيني عن القضايا الوطنية، في ظل الهجمة "الإسرائيلية" على الأسرى في السجون وتهويد مدينة القدس وتصاعد الاستيطان، ومن جانب آخر تعتيم الضوء عن قمع الحريات والاعتقال السياسي والفوضى والفلتان الأمني وجرائم التنسيق الأمني.
وغابت في المرحلة الأولى من الانتخابات الأجواء التنافسية بين الفصائل، حيث بلغت نسبة القوائم التوافقية والتي تشكلت بتوافق فصائلي وعائلي 43%، فيما بلغت نسبة الهيئات التي لم تتقدم فيها قوائم للترشح 16%، ما يشير إلى أن قرابة 60% من الهيئات لن تجري فيها الانتخابات.
وتجري في 154 هيئة من أصل 377 هيئة، فيما أعلن رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر اليوم السبت، أن 60 هيئة محلية لم تترشح فيها أية قائمة انتخابية، وستحول لمجلس الوزراء للبت فيها.
ويشير الذهاب إلى هذه الانتخابات في بعض الهيئات المحلية إلى سعي قيادة السلطة وحركة فتح؛ لإظهار حرصها على اجراء الانتخابات واتهام حركة حماس وباقي الفصائل بتعطيلها؛ بهدف الهروب من الضغوط الأوروبية التي تطالب السلطة بضرورة اجراء الانتخابات واتمام العملية الديمقراطية، لضمان استمرار وتدفق الدعم المالي.
اللافت والأهم، أن من يحاول فرض هذه الانتخابات الجزئية والتي تقتصر على بعض القرى دون أخرى، هو ذاته الذي عطّل الانتخابات العامة بذريعة عدم موافقة "إسرائيل" على اجرائها في مدينة القدس، وسبقها تعطيل انتخابات البلديات التي جرى الاجماع عليها عام 2016، دون أسباب مُقنعة.
إلى جانب ذلك، تحاول "فتح" من خلال هذه الانتخابات سرقة فوز مزيف، بعد الخسائر المتلاحقة التي مُنيت بها في انتخابات النقابات والجامعات التي جرى عقدها مؤخرا.
ذر الرماد
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن الذهاب لهذه الانتخابات يعكس حالة الافلاس لدى السلطة الفلسطينية من السير في الطريق الصحيح، كون أن الانتخابات يجب أن تكون ديمقراطية بمعنى الكلمة وليس اختيار بعض الهيئات والسكان والوحدات قليلة العدد والمرشحين لنقول ان هناك انتخابات.
ويؤكد الصواف في حديثه لـ "الرسالة" أنها محاولة لذر الرماد في العيون سواء في وجه الشعب الفلسطيني أو في وجه الدول الراعية ماليا لهذه السلطة، لذلك هي لا قيمة لها ولن تحقق الشرعية من الانتخابات العامة التي لغاها عباس قبل عدة أشهر.
ويبين أن هذه الانتخابات لا تعبر عن حق الشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه، ويجب مقاطعتها وعدم المشاركة كونها باطلة، والأولى الذهاب لانتخابات كاملة وشاملة ديمقراطية وليست أداة لإضفاء الشرعية على المتمسكين في السلطة.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. إبراهيم حبيب ان ما يجري في الانتخابات الحالية يمثل المشهد المحتال الذي رسمته السلطة للانتخابات التشريعية الفلسطينية والتي كان يفترض أن تجري، وهذا ما يجري هو انعكاس لحالة الرفض الشعبي للإجراءات التي اتخذتها السلطة بشكل منفرد.
ويبين حبيب في حديثه لــ "الرسالة" أن المقاطعة التي تصل 60% من الهيئات المحلية يعني أن هناك غالبية فلسطينية ضد إجراءات السلطة وضد التفرد في اجراء انتخابات شكلية تفرز ما ترديه قيادة السلطة.
ويشير إلى أن الانتخابات الفعلية كان يفترض أن تجري بتوافق فلسطيني يؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات حقيقية من شأنها أن تفرز قيادات محلية منتخبة قادرة على إتمام مهامها الوطنية.