قائمة الموقع

التطبيع العربي مع (إسرائيل) الجذور التاريخية

2021-12-24T11:13:00+02:00
الكاتب
سامي محمد الشاعر 

لم يكن بمقدور أي احتلال أجنبي أن يبسط سيطرته و يأمن وجوده على أرض دولة ما دون مساعدة داخلية عبر تطبيع علاقات سياسية أو أمنية تشكل مدخلا لتسهيل هذا الاحتلال و محاولة إضفاء شرعية عليه عبر اتفاقات ذات طابع دولي تؤمن وجوده وتحفظ استقراره إلى أبعد وقت ممكن، وهذه صورة التسلل الصهيوني للسيطرة على فلسطين، وقد مر التطبيع العربي مع إسرائيل في مراحل عدة : 

المرحلة الأولى : التطبيع العربي مع المنظمة الصهيونية ( مرحلة ما قبل قيام الدولة). 

جرى ذلك من خلال اتصالات الجنرال البريطاني السير مكماهون بأمير الحجاز الشريف حسين و التي عرفت تاريخيا بمراسلات حسين – مكماهون، و توج هذا التواصل باتفاق تطبيعي و سياسي لدعم الهجرة الصهيونية إلى فلسطين بين الأمير فيصل بن الشريف حسين و رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان وسمي باتفاق فيصل – وايزمان و ذلك في 3 كانون ثاني ( يناير) عام ١٩١٩ وهو من مخرجات مؤتمر باريس للسلام وكان ذلك أول اتفاق تطبيع بين جهة عربية و المنظمة الصهيونية ، و تضمنت أهم بنود الاتفاقية :

تسهيل الهجرات اليهودية إلى فلسطين في أقصى سرعة ممكنة و إقامة مساكن لهم و تمكينهم من العمل في مجالات الصناعة و الزراعة.

يتمتع اليهود الوافدين إلى فلسطين بحرية الحركة و الحرية الدينية، و يمنحوا جنسية مواطنة رسمية عندما تقر الدساتير. 

تشكل لجنة خبراء ترسلها المنظمة الصهيونية لدراسة الاحتياجات الاقتصادية و غيرها لفلسطين و تعمل على حلها.

ساعدت اللقاءات التمهيدية للشريف حسين و ابنه الأمير فيصل برعاية بريطانية إلى الإسراع في الهجرات الصهيونية لفلسطين.

عملت بريطانيا على فصل المنطقة العربية عن عمقها الإسلامي بعد سقوط الدولة العثمانية و اندلاع الثورة العربية الكبرى و التشجيع العربي على دعوة التتريك، و الدعوة لحكم العرب أنفسهم بأنفسهم، ثم اعقب ذلك مباشرة فصل فلسطين عن محيطها الإسلامي عبر اتفاقية فيصل – وايزمان.

المرحلة الثانية التطبيع العربي مع إسرائيل مرحلة ما بعد قيام الدولة ( ١٩٤٩- ١٩٧٩م).

عندما أعلن عن قيام دولة ( إسرائيل ) عام م. ١٩٤٨ رفضت الدول العربية هذا الوجود ودخلت حربا مع الكيان الصهيوني، ولكنها خسرتها في نهاية الامر لعوامل مختلفة، فوقعت عدد من الدول العربية اتفاقية هدنة مع ( إسرائيل) من ٢٤ شباط ( فبراير) حتى ٢٠ تموز ( يوليو) عام ١٩٤٩م و كان التوقيع كل دولة منفصلة عن الأخرى و هي مصر والأردن و لبنان وسوريا، تم بموجب الاتفاقية الاعتراف الضمني بوجود دولة إسرائيل على أرض فلسطين وتحديد خط الهدنة الذي سمي بالخط الأخضر وتفويض الأمم المتحدة لمعالجة قضايا الحدود في الشأن الفلسطيني.

المرحلة الثالثة التطبيع العربي مع إسرائيل مرحلة كامب ديفيد الأولى ( ١٩٧٩- ١٩٩٣م).

دخلت الدول العربية حربا مع الكيان الصهيوني في الخامس من حزيران ( يونيو) عام ١٩٦٧م وعرفت باسم حرب الأيام الستة و أطلقت عليها الشعوب العربية ( النكسة) نتيجة إلحاق إسرائيل الهزيمة بالدول المحاربة وهي مصر و الأردن و سوريا واحتلت وقتها الضفة الغربية وقطاع غزة و شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان، وفي عام ١٩٧٣م خاضت مصر حربا تحريرية مع ( إسرائيل) سميت بحرب العاشر من رمضان ووقعت في تشرين أول ( أكتوبر) عام ١٩٧٣م، وبعدها بست سنوات وقعت مصر اتفاقية سلام مع ( إسرائيل) في ٢٦ آذار ( مارس) عام ١٩٧٩م، برعاية أمريكية أطلق عليها ( كامب ديفيد) نسبة للمنطقة التي استضافت مؤتمر توقيع الاتفاقية في الولايات المتحدة الامريكية.

تبع تلك الاتفاقية تطبيع مصري علني واعتراف رسمي بإسرائيل وزار الرئيس المصري أنور السادات مدينة القدس وألقى خطابا في الكنيست الإسرائيلي.

المرحلة الرابعة التطبيع العربي مع إسرائيل مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو ( ١٩٩٣م) 

شكل توقيع منظمة التحرير الفلسطينية و التي كانت حركة فتح المسيطرة عليها اتفاق سلام مع دولة الاحتلال والذي عرف باتفاق أوسلو منعطفا جديدا في التطبيع حيث ارتكز الاتفاق على نبذ العنف و الاعتراف بإسرائيل و التعاون الأمني لأن حماية سلطة الحكم الذاتي كان مسؤولية الاحتلال، سجلت المصادر و الدراسات التاريخية مسارعة عربية في العلاقة مع إسرائيل، ولكنها كانت سرية وفي حدود النشاط التجاري، مثل موريتانيا و البحرين و قطر و مصر، وعمان، و الأردن، والمغرب 

لم تسجل كل من العراق و الجزائر أي علاقات مع دولة الاحتلال، وفي عام ١٩٩٤ وقعت الأردن اتفاقية سلام مع ( إسرائيل)عرفت باسم اتفاق وادي عربة والذي نص على التطبيع الاقتصادي و الأكاديمي والزراعة، إضافة إلى اتفاقيات أمنية تضمن أمن حدود الطرفين.

و عام ١٩٩٤ زار وزير البيئة الإسرائيلي يوسي ساريد المنامة لحضور مؤتمر للقضايا الاقليمية البيئية.

وفي ٢٩ كانون ثاني ( يناير) عام ٢٠٠٠م، عقد ولي عهد البحرين سليمان بن حمد آل خليفة اجتماعا مع وزير التعاون الاقليمي الإسرائيلي شمعون بيريز على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي.

ورفعت البحرين الحظر عن البضائع الإسرائيلية في ٢٣ أيلول ( سبتمبر) عام ٢٠٠٥ و السماح بدخولها لأسواق المنامة.

 نشط الحضور الصهيوني لشخصيات رسمية و دبلوماسية في البحرين و الامارات، حتى عقب الحادثة الشهيرة لاغتيال مسؤول كتائب القسام في الخارج محمود المبحوح داخل فندق بدبي في أكتوبر عام ٢٠١٠م. 

المرحلة الخامسة التطبيع العربي مع إسرائيل مرحلة اتفاق أبراهام ( م٢٠٢٠):

سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى دمج دولة الاحتلال كجزء من دول المنطقة العربية فلجأ إلى دفع الدول العربية الحليفة لأمريكا لإقامة علاقات تطبيع علنية مع إسرائيل فكانت الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين أول دولتين توقعا اتفاقا تطبيعا مع دولة الكيان وذلك في ١٥ أيلول ( سبتمبر ) عام ٢٠٢٠ في حديقة البيت الأبيض بحضور مبعوث عملية السلام للشرق الأوسط في الإدارة الأمريكية جاريد كوشنير ووزير الخارجية الأمريكية مايك بمبيو و عن الاحتلال الاسرائيلي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزيرا خارجية الامارات و البحرين. 

وفي ٢٤ تشرين أول ( أكتوبر) عام ٢٠٢٠ أعلنت السودان الموافقة على إقامة علاقات تطبيعية مع إسرائيل مقابل رفع الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب والسماح بالتعاون التجاري معها و وقف العقوبات الاقتصادية عليها.

و لحقت المغرب بركب الدول المطبعة مع دولة الاحتلال بموجب التوقيع على اتفاق سلام في ١٠ كانون أول (ديسمبر) ٢٠٢٠م.

أعقب تلك الاتفاقات تبادلا للوفود الرسمية بين البلدان و دولة الاحتلال و توقيع مزيدا من الاتفاقات وتبادل سفراء بين البحرين و الامارات و دولة الاحتلال الإسرائيلي و السماح لوفود رسمية وشعبية من زيارة المدينة الاقتصادية أبو ظبي و المشاركة العام الجاري ٢٠٢١ في مؤتمر اكسبو دبي للصناعات العسكرية و التكنولوجية.

ووقعت المغرب مذكرة تفاهم مع دولة الاحتلال في ٢٤ تشرين ثان ( نوفمبر) عام ٢٠٢١م تشمل تعاونا في مجالات الأمن و شراء صناعات عسكرية إسرائيلية و خدمات أمنية و قطاع التكنولوجيا و أمن المعلومات والأمن السيبراني. ومثل الاحتلال وزير الحرب بني غانتس و عن المغرب القائم بأعمال وزير الدفاع المغربي محمد المبيض . 

حرصت دولة الاحتلال بعد إعلان قيامها عام ١٩٤٨ على تثبيت وجودها في المنطقة العربية كأمر واقع عبر الاتفاقيات وتوفير غطاء دولي لها عبر الأمم المتحدة و الإدارة الأمريكية الراعية للكيان فحصلت على الاعتراف الضمني من الدول العربية من خلال اتفاقيات الهدنة عام ١٩٤٩م، وكامب ديفيد الأولى ١٩٧٩م، و اتفاق أوسلو ١٩٩٣م، وو ادي عربة عام ١٩٩٤م و أخيرا اتفاق أبراهام ٢٠٢٠م. 

الموقف الشعبي من اتفاقات التطبيع:

منذ اللحظة الأولى أعلنت شعوب الدول الموقعة رفضها للتطبيع وسارعت لتشكيل منظمات و فعاليات شعبية تعبر عن مقاطعتها لكل صور العلاقة مع دولة الاحتلال فأطلق كل من البحرينيين رابطة بحرينيون ضد التطبيع و كذلك قطريون وإماراتيون و مغاربة و خرجت مظاهرات منددة في معظم تلك الدول ما عدا الإمارات بسبب سياسة القمع المتوقع من النظام في ذلك البلد العربي. خلاصة: استطاعت دولة الاحتلال أن تضع لها داخل الدول العربية موضع قدم عبر اتفاقات التطبيع و الاعتراف السري حينا و الرسمي العلني في وقت آخر بهدف الاندماج بين شعوب المنطقة غير أن الشعوب أعلنت رفضها لكل صور التطبيع الأمر الذي يضع جدوى اتفاقات أبراهام التطبيعية موضع شك من أن تحقق دولة الاحتلال أهدافها.

اخبار ذات صلة