قبل عامين ونصف، كانت المحررة إيناس عصافرة -28 عاما- تهدهد صغيريها "محمد وعبد الرحمن" كي يناما، فتقص عليهما الحكايات تارة، وتغني لهما أخرى، حتى اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي خلوتهم ليسحبوا الأم والأب بعد الاعتداء عليهما بالضرب حتى أن بكاء ولديهما لم يشفع لهما.
رغم أن والدة الصغيرين لم تنه الحكاية لهما؛ إلا أن جنود الاحتلال اختتموها بطريقتهم الهمجية، فاعتقلوا الوالدين وهدموا البيت المقام في "بيت كاحل بالخليل 2019" وبقيت المشاهد راسخة في ذاكرة الصغيرين رغم أن عمر أحدهما خمسة والثاني عامان.
حالة جديدة فرضت على عائلة المحررة عصافرة، التي أُفرج عنها في السادس والعشرين من الشهر الجاري، فليلة اعتقالها أصيبت والدتها بجلطة أفقدتها الكلام، وبقي صغيراها يترددان على بيت جديهما فكل منهما يقص عليهما تفاصيل يومية عاشها والداهما في الحرية.
المرة الأولى التي لمح فيها البكر محمد وجه والدته كانت بعد شهور من اعتقالها، حين كان برفقة جده وشاهد أمه من وراء النافذة الزجاجية وصوت مشوش يخرج من سماعة تلفون رديئة، قال الابن لجده "هذه ليست أمي" فملامح وجهها باتت مختلفة من التعذيب عدا عن ملابس السجن التي كانت ترتديها، حاولت الأم إخفاء دموعها لحظتها وعملت على التقرب من ابنها كما ذكرت "للرسالة".
تقول عصافرة: "مرات قليلة التقيت أبنائي من خلف شبابيك السجون التي كانت حلقة وصل بيننا، لم يسمح لي باحتضانهما، كنت دوماً أتحدث اليهما وأهدىء من روعهما وأخلق المواضيع لتبقى عالقة في عقولهما رغم صغرهما".
وعن فترة اعتقالها، أشارت إلى أنها المرة الأولى، وكانت تهمتها "علمها بتنفيذ زوجها عملية قتل مستوطن"، واصفة تلك الفترة بالصعبة، لكنها تعلمت منها الصمود والقوة وأدركت أن المحتل ضعيف أمام إرادة الفلسطيني رغم اعتقاله.
حول تفاصيل وجودها في الدامون، تحكي أن الوضع فيه صعب لافتقاره أدنى الاحتياجات الأساسية للأسيرات اللواتي يحاولن صنع الكثير من لا شيء، مشيرة إلى أن الأيام الأخيرة كانت صعبة جداً لدرجة لم يتخيلنها حيث الضرب والسحل والعزل الانفرادي.
وتستذكر ليلة اقتحام غرفهن قبل أيام قليلة منتصف الليل، حين كانت الأسيرات يحاولن تدفئة أجسادهن من البرد القارس، اقتحم جنود الاحتلال غرفهن للتفتيش والتنغيص عليهن، مشيرة إلى أن معنويات الأسيرات عالية بسبب مساندة الأسرى والحركة الأسيرة.
وكان من المفترض الإفراج عن المحررة عصافرة الخميس الماضي، لكن مصلحة السجون أعاقت خروجها في الوقت الذي تجمهرت فيه عائلتها وصغيراها لاستقبالها، وكذلك هي حزمت حقيبتها وودعت الأسيرات ليأتي قرار "أنه لم يحن موعد الحرية".
وتروي أنها أصيبت بخيبة أمل بعدما أمضت ليالي صعبة تجهز الكلمات التي ستقولها لصغيريها وتخطط لشكل اللقاء معهما وعائلتها، وتحلم كثيراً باحتضان أمها وأشقائها، لكن خيبة الأمل لم تتوقف عند هذا الحد بل جاءها في اليوم ذاته خبر الحكم على زوجها قاسم بالمؤبد و40 سنة إضافية.
سألت "الرسالة" عصافرة عن مشاعرها في ذاك اليوم، قبل أن تجيب صمتت قليلا ثم قالت: "تملكني الصبر وشعرت بقوة خارقة، وأيقنت أن اللقاء بزوجي قريب"، مضيفة: اليوم مهمتي هي تربية أولادي وترتيب بيتي وبنائه من جديد لاستقبال زوجي بعد الإفراج عنه.
تنهى حديثها بأن أصعب شيء كان لحظة الإفراج عنها وحدها دون زوجها، تعلق "شعرت بغصة كبيرة، لكن حضن محمد وعبد الرحمن ورشهما لي بالورد أسعدني وأبكاني".