مقال: عن الانطباع النفسي لعباس في لقاءاته بالمسؤولين الصهاينة

سامي الشاعر
سامي الشاعر

سامي الشاعر

عندما قرر المفكر الاجتماعي السياسي المؤرخ المصري الكبير عبد الوهاب المسيري عقد دراسة متخصصة للبحث في أسباب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م، تناولها من خلال علم الاجتماع، وأخرج لنا كتابه كدرة ثمينة حملت اسم " الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية دراسة في الإدراك والمعرفة" وبيّن المسيري أن كتابه ليست محاولة تأريخ للانتفاضة وأحداثها فقط وإنما دراسة النماذج المعرفية الكامنة وراء الانتفاضة والمحاولة الصهيونية لقمعها.

وقد يعترض القارئ الكريم على هذا المدخل للمقال الذي يتحدث عن انطباعات لرئيس السلطة محمود عباس حول لقاءه الأخير بوزير الحرب الصهيوني بيني غانتس والصهاينة عموما، غير أن المحاولة فقيرة يرجو الكاتب من وراءه البحث في السلوك الشخصي والكشف عن الانطباع النفسي لعباس حول رغبته الشديدة والانسجام الكبير الحاصل عندما يلتقي شخصية صهيونية مسؤولة عن احتلال طال أمده و يجثم على أرض فلسطين البالغ مساحتها 27ألف كم2.

عبر رئيس السلطة محمود عباس عن اعجابه بالمسؤولين الصهاينة خلال محادثاته التفاوضية التي توجت أول اتفاق سياسي بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني وهو اتفاق أوسلو 13 سبتمبر/أيلول 1993م، وذكر ذلك في كتابه الشهير " الطريق إلى أوسلو "الذي ألفه عن محادثات تلك الاتفاقية المشؤومة التي رفضتها الأغلبية الفلسطينية حتى من داخل حركة فتح، وكتب في أكثر من موضع عن اعجابه بشمعون بيرز عندما مثل وفد الاحتلال الصهيوني في حفل إعلان المبادئ وقد صور اللحظات الأولى التي جمعته به ووصف اللقاء بأنه دافئ، تكررت الصورة عندما التقى عباس يوسي بيلين وقد أعدا كليهما اتفاقية عام 1995م، وذكر عباس أن الوفد الفلسطيني تحدث مع نظيره (الإسرائيلي) وحصل انسجام سريع وكأن بينهم علاقات من سنوات عديدة. كان دوما عباس يعبر عن إعجابه بالشخصيات الصهيونية التي يلتقيها فوصف إسحاق رابين بالرجل الشجاع، و صرح في أكثر من مرة أنه يتفق مع رئيس الشاباك الصهيوني السابق نداف أرغمان مائة بالمئة، و اكد للوفود غير الرسمية الصهيونية التي زارته في مقره برام الله في اكثر من وقت عن حرصه على أمن دولة الاحتلال وأن لهم حق في فلسطين وأسماها بلدهم، وقال في تصريح له انه يعمل من أجل شباب ( إسرائيل)، وفي ضوء ذلك يمكن الإشارة إلى استنتاجات تفسيرية معينة توضح السلوك النفسي لشخصية عباس بلقائه المسؤولين في دولة الحكومات الصهيونية:

- هناك علاقة تاريخية شخصية بين رئيس السلطة محمود عباس والمسؤولين الصهاينة كانت أوسلو منبت تلك العلاقة السياسية التي تحولت لانسجام شخصي بعد ذلك.

- حديث عباس في كتابه الطريق إلى أوسلو أن المسؤولين النرويجيين والأمريكان وصفوا أوسلو بالاتفاق العظيم وتوقيع عرفات- رابين بالشجاع يعبر عن مدى إيمان الرجل بقناعات أن أوسلو أفضل ما انتجه هو وفريقه للشعب الفلسطيني وعليهم الإيمان به كذلك إما رغبا أو رهبا.

- عباس ينطلق في لقاءاته من قناعاته الفكرية والوجدانية أن للصهاينة حق في فلسطين وبالتالي لا يجب أن نقاومهم، وأن لقاءاته وتنسيقه الأمني ينطلق من هذه الفكرة، وأنه عمل سياسي مسؤول.

- ينظر عباس لكل مسؤول صهيوني بروح الصداقة لا العداء، ولذلك هو غير مستعد للعمل من أجل فلسطين والقضية الفلسطينية.

- لقد انتهى اتفاق أوسلو من اللحظة الأولى لتوقيعه حيث لم تتوقف جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وبما أنه مهندس الاتفاق فهو مؤمن بالدفاع عنه حتى آخر رمق.

- إن الحالة الوطنية اليوم من مقاومة شعبية وأخرى مسلحة، وعمليات التصدي لهجوم المستوطنين على قرى الضفة ومحاولات التهجير العرقي لبلدات القدس الشيخ جراح ووادي الجوز وغيرهما لا يمثلان أدنى أهمية لعباس المؤمن تماما بالحق الصهيوني في العيش على ارض فلسطين، وهذا امر مخالف حتى للقانون الدولي.

خلاصة: الذي نراه خيانة يراه عباس عملا وطنيا تلك انطباعات راسخة عشعشت في وجدان رئيس السلطة محمود عباس عبر تاريخ طويل من اللقاءات الشخصية مع المسؤولين الصهاينة بداء من أوسلو وحتى لقاءه الأخير بغانتس.

البث المباشر