في "رأس العين" قرب تل أبيب، المستوطنة المقامة على أراضي "مجدل يابا"، التقى رئيس سلطة رام الله محمود عباس بوزير الحرب بيني غانتس.
اللقاء الذي حظي به عباس لساعتين ونصف في منتصف الليل، لم يكن ليجري لولا حالة المقاومة الشعبية المتصاعدة في الضفة الغربية. هناك حيث جلس الرجلان، ناقشا بأربعة عيون مفتوحة على خطر كبير يقبع على رأس الجبل، حيث يغلي بركان من الغضب الشعبي على سياسات الاحتلال و"السلطة".
وبعيداً عن الاستنكار الواسع والغضب الشعبي والفصائلي الذي صاحب الزيارة، فإن الأسوأ من اللقاء ذاته هو توقيته، حيث يجتمع رئيس السلطة مع قائد جيش الاحتلال الذي ينكل بالفلسطينيين في كل لحظة، إلى جانب هجمات المستوطنين المنظمة وبحماية الجيش، في برقة وغيرها من قرى وبلدات الضفة المحتلة، وبالتزامن مع الاعتداءات الكبيرة التي يتعرض لها الأسرى والأسيرات في السجون.
التوقيت أيضاً له دلالة غاية في الأهمية، فالمخاوف المشتركة والحقيقية لدى الطرفين لا يمكن الاستهانة بها.
يدرك الطرفان أن الأوضاع في الضفة الغربية على وشك الانفجار، كما يدركان أن نتائج اجتماعهما الأول في المقاطعة أغسطس الماضي بدفع من الولايات المتحدة لم يجد في طمس حالة المقاومة المتصاعدة.
إن المحافظة على وجود السلطة ودورها الأمني مسألة لا خلاف عليها لدى الاحتلال، الذي يدرك أهمية هذا الدور في حمايته، وما قدمته هذه السلطة وأجهزتها من خدمات أمنية ساهمت في تعزيز قبضة الاحتلال على الضفة والسيطرة على أراضيها، إلى جانب منع آلاف عمليات المقاومة على مدار سنوات.
الاجتماع لم يثر الغضب الفلسطيني فقط، بل وحتى "الإسرائيلي" أيضاً، فتلك اللقاءات مرفوضة لدى الجانبين ولكل أسبابه، وهذا ما يفسر طريقة الإعلان المختلفة عن اللقاء، ففي الوقت الذي قال فيه حسين الشيخ رئيس الشئون المدنية، وأحد الحاضرين في اللقاء عبر تغريدة، أن "الاجتماع تناول "أهمية خلق أفق يؤدي الى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية!"، لكنّ الحقيقة أن اللقاء لم يتطرق للجانب السياسي ولا يمكن الحديث عن أفق سياسي في لقاء لساعتين مع وزير حرب، وفي ظل رفض كل أركان الاحتلال طرح ملف التسوية السياسية على الطاولة أو فتح قنوات اتصال سياسية مع السلطة.
أما الصحافة العبرية، فكانت أكثر وضوحاً حين قالت، إن اللقاء يهدف إلى تطويق الوضع الأمني في الضفة وتعزيز التعاون في السياسة الأمنية والميدانية هناك، وهو الهدف الأهم والأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن.
وبحسب ما تسرب عن اللقاء، فإن عباس قال حرفياً "لن أسمح بالعنف، ولا بالإرهاب ولا باستخدام السلاح الناري ضد "الإسرائيليين" طالما بقيت في الحكم، وبغض النظر عن طبيعة العلاقة مع "إسرائيل"، والأجهزة الأمنية ستستمر في العمل على الموضوع، بينما شكره غانتس على عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في إنقاذ الإسرائيليَيْن".
كما أعلنت الصحافة العبرية عن الثمن الذي تحصل عليه عباس في اللقاء مقابل المزيد من القمع الفلسطيني والتعاون الأمني، وتركز في التعهد بمدفوعات ضريبية بقيمة 100 مليون شيكل، إلى جانب منح مئات التصاريح لمسؤولي السلطة لدخول الأراضي المحتلة مع مركبة.
والأهم، عشرات بطاقات الـ VIP لشخصيات رفيعة في السلطة، وهو ثمن بخس للغاية أمام الوظيفة الأمنية الكبيرة التي تقدمها السلطة وأجهزتها الأمنية التي تسهر على أمن وحماية الاحتلال.
القبضة الأمنية المشتركة في الضفة الغربية، التي تتعزز عبر التعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة، لم تتوقف منذ تولي عباس رئاسة السلطة، وقد حاربت السلطة المقاومة الفلسطينية ومنعت كل أشكالها وتركت مدن الضفة مستباحة أمام جيش الاحتلال ومستوطنيه.
وتشهد الضفة المحتلة تصاعدًا ملحوظًا في أشكال المقاومة الشعبية والمسلّحة، في الوقت الذي يخوض فيه الأسرى والأسيرات معركة صمود وبطولة حقيقية في وجه الاحتلال، وهذان وحدهما عاملان قد يفجران مواجهة مفتوحة في الأراضي الفلسطينية كافة، وهي أحد أهم مخاوف الاحتلال والسلطة ودافع أساس للقاء.
والأخطر أن الهبة الحالية تتميز بأن المقاومة الشعبية عامل أساس فيها، وبدأت كل منطقة وبلدة وقرية تقاوم على طريقتها بصورة جماعية ومستمرة مثل بيتا وبرقة.