بعين دامعة وقلوب مكلومة ينظر الفلسطينيون إلى إخوانهم في مدينة القدس وشقيقاتها من مدن فلسطين التي يجثم الاحتلال على صدرها ويخنق أنفاسها قتلا وتهجيرا وحصاراً، فبيوت المقدسيين تُهدم أو تصادر أو يُعتقل أصحابها بشكل شبه يومي، وآلاف الدونمات المملوكة للفلسطينيين بالضفة الغربية إما أن تصادر أو يعتدى عليها من قطعان المستوطنين حرقا وسرقة واعتداءً على أصحابها العزل، وعلى مفترقات الطرق تغتال براءة الطفولة برصاصات الاحتلال الغادرة التي لا تميز بين طفلٍ وعجوز أو بين امرأة ورجل، وهناك عند باحات الحرم القدسي تنتهك الحرمات وتستباحُ حجارة القدس مستغيثة لا تجد من يرد صداها إلا أطفالا هبوا لنجدتها أو نساء نهضن بعزمٍ مرابطاتٍ في جنباتها أو شباباً ورجالاً رهنوا أرواحهم فداءً لها. وفي بقعة أخرى محاصرة تدعى غزة وجه آخر للألم يعرف ملامحه كل أهل الكون بينما يغض الطرف عنه "صاحبنا"!
كل هذه المشاهدُ ترتسم باللون الأحمر على خارطة الوطن بينما يجلس رئيس حركة فتح محمود عباس مبتسما يتبادل أطراف الحديث مع وزير جيش الاحتلال الصهيوني المجرم نفتالي بينيت، الذي لطالما تلطخت يداه وأيدي جنوده المرتزقة بدماء وأشلاء الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني؛ يجلس معه على طاولة واحدة في بيته الذي سرقه من أصحابه الحقيقيين عنوة ويحتسي معه القهوة، ويناقشان بكل هدوء كيفية مواجهة (المخربين والإرهابيين الفلسطينيين) كما يحلو لعباس أن يسميهم، بعد أن نسي أو تناسى أنَّ الأرض لأهل فلسطين، وأن الصهاينة ما هم إلا مجموعة من غزاة الأرض ولصوصها الذين جاءوا من أصقاع الأرض ليكتبوها باسمهم في أكبر عملية تزوير وسرقة في التاريخ.
محمود عباس الذي خرج من اللقاء بزجاجة زيت زيتون ادعى بينيت أنه "زيت زيتون إسرائيلي" و"حزمة" امتيازات شملت دفعة مالية بقيمة 100 مليون شيقل من أموال الضرائب التي تجبيها دولة الاحتلال من عرق الفلسطينيين، إضافة إلى "استعادة الثقة بين الطرفين" وغيرها من "الإنجازات" من وجهة نظره؛ لم تظهر عليه أي بادرة للخجل هو وزمرته من عرابي أوسلو المتخاذلين الذين من لقائه هذا، ليخرج بعدها حسين الشيخ حسين الشيخ رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية قائلا: "إن لقاء عباس مع غانتس هو تحدٍ كبير، وفرصة أخيرة قبل الانفجار، والدخول في طريق مسدود"!.. كلام مكرر لا يقدم ولا يؤخر، وبيعٌ للوهم كالعادة منذ عقود، وكذبة فضحها الإعلام العبري حينما كشف أن اللقاء كان هدفه الأساس مناقشة قضايا أمنية ومدنية، ولا داعي هنا لشرح معنى "أمنية".
خلاصة القول: جاهل من يعتقد أن زجاجة "زيت زيتون" و"حزمة" امتيازات يمكن أن تصنع "سلطة" يستمرئ طعمها شعبٌ عرف الحكايةَ، وعشقَ برتقال يافا، واستظلَّ بشجرة زيتون الولجة، وواهمٌ من يظنُّ أن غانتس أو غيره من قادة الاحتلال يمكن أن يقدم تنازلات لعباس وزمرته ومن يحذو حذوهم، فالحق لا يُستعادُ إلا بصبرٍ وثباتٍ ومقاومةٍ تأوي إلى ركنٍ شديد.