فقدت النائبة خالدة جرار ابنتها وهي في المعتقل هذا العام، مرارة الفقد تبدو مضاعفة لما يصاحبها من عجز، لأن الأسير لا يقوى على وداع من يحبهم، فيُدفنون دون قبلة الوداع الأخيرة.
ثم بعد الحرية، يركض الأسير نحو المقبرة ليمارس طقوس وداع متأخر، منعه الاحتلال من حقه فيه، فيزداد القهر ثم يتحول الوجع إلى منفى، وصفته الأسيرة أزهار قاسم التي ودعت أمها مطلع العام السابق وهي خلف القضبان:" كان صوتك يا أمي محرابي في منفاي، وكل مكان لا تتواجدين فيه هو منفاي".
وقد يكون مجرد الوداع قبل الموت هو كل ما يحلم به الأسير، فلم يكن هدف يعقوب قادري مخطط عملية نفق الحرية إلا وداعاً سريعاً يخطفه من وجه أمه قبل أن ترحل وتتركه رهين حلم الوداع الذي لم يتحقق.
ولعل فقد الأسير محمد محمود القدومي من قلقيلية هو الأصعب هذا العام، حيث صُدم بوفاة شقيقه أشرف القدومي متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، وذلك بعد يومين على وفاة والده الحاج محمود القدومي، كما فقد الأسير والدته في يناير من العام نفسه، ثلاثة فقدهم دون أن تسمح له سلطات الاحتلال بوداع أحدهم.
أربعة وأربعون أسيراً فقدوا أحد أحبتهم خلال 2021 ولم يحصلوا على لحظة وداع قبل الدفن، وأكثر من 80% من الأسرى أصحاب الأحكام العالية جربوا مرارة الفقد لأحد الأبوين أو الأبناء أو أحد أفراد العائلة.
يقول الأسير المحرر محمد أبو جلالة فقدت أمي وأبي وأعمامي وأخوالي وأبناء إخوتي، أصعب ما يمكن أن تجربه وأنت معتقل هو مرارة الفقد الذي يشعرك بأن العمر يهوي بك سريعاً.
حسن عبد ربه، المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى، يقول أن الاحتلال لم يعط يوماً الأسرى حق توديع أقاربهم ولا حتى من الدرجة الأولى، وفي هذا انتهاك لحقوق الأسرى، لأنها تعطي السجناء الجنائيين فيما لو كانوا " إسرائيليين" حق الوداع والمشاركة في مراسيم وفاة أقارب السجين.
ويلفت عبد ربه إلى أن الاحتلال رفض السماح لخالدة جرار بأن تودع ابنتها ورفض دخول جثمان ابنتها إلى عوفر لتودعه الأم أيضاً وكل محاولات الجهات المختصة في هذا المجال لم تجد صدى. وذكر أنه لا يوجد قانون واضح في هذا المجال، رغم أن هناك حالة قبل شهرين لشاب اسمه أيمن الحاج يحيى، سمح له بالخروج لوداع زوجته والمشاركة في جنازتها، وهذه حالة غريبة ليست مقياساً لأن محكومي الداخل أيضاً لم يسمح لهم يوماً بوداع موتاهم.
ويؤكد عبد ربه أن الاحتلال يسعى بكل الطرق للتضييق على الأسرى بكل أشكال التعسف اللاإنسانية ولم يحدث أن سمح لأي من أسرى الضفة أو القدس لوداع قريب حتى لو من الدرجة الأولى أو المشاركة في التشييع، وهذا انتهاك أخلاقي وعنصري ضد الأسرى.