يبدو أنه عام جديد، تتجدد فيه القسوة أكثر على حراس المسجد الأقصى المبارك وسدنته، في ظل تراجع واضح في دور الأوقاف الأردنية وصمت مطبق.
حارس المسجد الأقصى فادي عليان يقبع في زنازين الاحتلال منذ اثني عشر يوماً بعد اعتقاله من داخل الأقصى وهو على رأس عمله، وكان اعتقل قبل أربعة أعوام وأبعد عن الأقصى لأحد عشر شهرا بتهمة المشاركة في التصدي لاقتحامات المستوطنين، ثم اعتقل مرة أخرى قبل عامين وأبعد لستة أشهر أخرى، مع تهديدات كثيرة له ولعائلته.
وقبل يومين اقتحمت قوات الاحتلال مسجد قبة الصخرة واعتقلت موظفاً آخر على رأس عمله وهو لؤي أبو السعد ولا يزال قيد الاعتقال حتى الآن بتهمة التصدي لاقتحامات المستوطنين أيضا وعرقلة صلواتهم التلمودية في باحات الأقصى.
في اليوم ذاته، اعتقل الاحتلال حارس المسجد الأقصى خليل الترهوني وأفرج عنه بعدها بشرط الإبعاد عن المسجد الأقصى عشرة أيام قابلة للتجديد، واعتقل كذلك رائد الزغير، مسؤول قسم النظافة في المسجد الأقصى المبارك، وتلقى بدوره إبعاداً لمدة سبعة أيامٍ قابلة للتجديد.
وتشير المعلومات إلى أن الإبعاد "القابل للتجديد" يعني أنه يجدد فور انتهائه تلقائيا وربما يحول إلى اعتقال إداري.
يقول زياد ابحيص، المختص والباحث في قضايا القدس، إن هذه الاعتقالات والاعتداءات المتكررة على عمال الأقصى وحراسه وموظفيه التابعين للأوقاف تتصاعد تدريجيا وقد بدأت بمنع الحراس من الاقتراب من المقتحمين لمسافة تصل إلى ستين مترا لمنعهم من تصوير الحدث وتوثيقه ثم محاكمتهم واعتقالهم دون سبب مقنع وإبعادهم لعدة شهور عن الأقصى أو حبسهم.
يضيف: "الاعتداءات تعدت الاعتقال والإبعاد حتى وصلت إلى سياسة جباية أثمانٍ أعلى منهم ومن عائلاتهم، بهدم منازلهم كما حصل مع فادي عليان ومع حارس المسجد الأقصى أحمد الدلال الذي ما تزال عائلته بلا مأوى في برد الشتاء القارس، بعد أن أُجبروا على هدم منزلهم نهاية الصيف الفائت.
في مقابل ذلك كله يرى متابعون للشأن المقدسي أن دور الأوقاف أصبح مهزوزاً حيث أنها تسعى دوماً لتجنب المواجهة مع الاحتلال، وقبل عامين طرد مدير الأوقاف الحراسات ثم في العام الماضي عمم على العاملين فيها بمنع نشر أخبار الأقصى.
ويأتي التراجع في دور الأوقاف انعكاسا لتراجع الموقف الأردني الرسمي المتتالي في وجه العدوان الصهيوني على أولئك الحراس.
ومرت حملة الاعتقال الأخيرة للحراس دون أي موقف من الأوقاف أو الحكومة الأردنية، ولا حتى مجرد استنكار للاعتقال.
ويرى الدكتور جمال عمرو المرابط المقدسي والباحث المختص بقضايا الأقصى أن موقف الأوقاف أصبح متراجعاً بشكل كبير، وفي حالات الاعتقال لا تقف موقفا لتحمل المسؤولية حقيقة.
ولفت عمرو إلى أن الأوقاف لديها طاقم من المحامين لا يباشرون عملهم كما ينبغي في الدفاع عن معتقليهم، حتى أن بعضهم لا يحضر جلسات المحاكمة ولا يتابع مع المعتقلين من الموظفين.
ويقارن عمرو بين موقف الأوقاف قبل سنوات حيث كانت المسؤولة عن كل كبيرة وصغيرة فيما يدور بالأقصى، وهي الجهة التي تعطي الأذن لأي فريق سياحي أو ثقافي غير مسلم -بما فيهم اليهود- لدخول الأقصى لأي سبب، بعد تقديمهم كتابا خطيا وانتظار موافقة الأوقاف، وبين ما آلت إليه الأحوال اليوم، حيث يقتحم المتطرفون الأقصى كل يوم دون أن يكون للأوقاف أي دور أو اعتراض.
بدأت عمليات الاعتقال والتنكيل بالحراس والموظفين حينما تدهور وضع الأوقاف وأصبح هامشيا كما يقول عمرو، ثم ضًربوا وأبعدوا في ظل تقصير في حقوقهم ورواتبهم وهم يعيشون في مدينة القدس التي تعتبر من أغلى مدن العالم ولا توفر لهم حتى حياة كريمة وهم حراس الأقصى وخدامه.