مقال: متى يرحل محمود عباس؟

الكاتب سليم الشرفا
الكاتب سليم الشرفا

بقلم: سليم محسن الشرفا

تمر هذه الأيام الذكرى السابعة عشرة للانتخابات الرئاسية الثانية في تاريخ السلطة الفلسطينية،  والتي أجريت في شهر يناير من عام 2005، وأفرزت محمود عباس "أبو مازن" رئيساً للسلطة الفلسطينية؛ خلفاً لرئيسها الأول ياسر عرفات "أبو عمار" الذي توفي في شهر نوفمبر من عام 2004. وحصل مرشح "فتح" محمود عباس على ما نسبته 26% فقط من إجمالي عدد الناخبين المسجلين للاقتراع الذين بلغ عددهم آنذاك 1.8 مليون ناخب، حيث حصل على 480 ألف صوت من أصوات الناخبين المشاركين والبالغ عددهم 775 ألفًا.

محمود عباس الذي انتخب ليكون رئيساً للسلطة الفلسطينية لمدة 4 سنوات فقط، ثم بعد ذلك تجرى الانتخابات الرئاسية مجدداً ليختار الشعب رئيساً جديداً له، لا يزال يتربع على كرسي الرئاسة بطريقة تفتقد للشرعية والديمقراطية، رافضاً إجراء انتخابات رئاسية أو تشريعية، ضارباً بعرض الحائط كافة المطالبات الفصائلية والحقوقية والشعبية، بضرورة العودة للمسار الديمقراطي وتحكيم صندوق الانتخابات؛ ليختار شعبنا الفلسطيني من يمثله في رئاسة السلطة والمنظمة  والمجلس التشريعي.

محمود عباس وفق استطلاعات الرأي الشعبية المستقلة والتي تجرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، يُرفض بقاؤه على رأس السلطة، إذ تظهر النتائج أن شعبيته في الحضيض، بل وصلت الأرقام المُطالبة برحيله إلى نسبة غير مسبوقة، وهذا يدلل على رغبة شعبنا الفلسطيني في إنهاء حقبته.

 وفي آخر استطلاعات الرأي والذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ونشر في الخامس عشر من ديسمبر من عام 2021، أكد الاستطلاع أنه "لو جرت انتخابات رئاسية جديدة اليوم وترشح فيها اثنان فقط هما محمود عباس وإسماعيل هنية فإن نسبة المشاركة ستبلغ 51% فقط، ومن بين المشاركين يحصل عباس على 35% من الأصوات ويحصل هنية على 58%"، وفي استطلاع لمركز أطلس للدراسات ونشر في نهاية ديسمبر من العام الماضي فإن ما نسبته (11.4%)  فقط ترغب بترشح محمود عباس لانتخابات الرئاسة.

هذه النتائج لاستطلاعات الرأي تؤكد المكانة الحقيقية لمحمود عباس منتهي الصلاحية القانونية في رئاسة السلطة الفلسطينية، وتظهر أن شعبنا الفلسطيني بات ينكر ويرفض سلوك عباس  السياسي الذي يقوم على المفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال، والتفاخر باللقاءات مع قادته، ومحاربة  المقاومة، وحرمان شعبنا الفلسطيني من حقه في الانتخابات، وكذلك برغبته وعمله على استمرار الانقسام الفلسطيني الذي كانت بدايته الحقيقة عندما وقّع عباس اتفاقية أوسلو المشؤومة عام 1993م.

لقد عاش شعبنا الفلسطيني أملاً كبيرا في مطلع عام 2021، حول إمكانية إجراء انتخابات شاملة، حُدد موعدها في مرسوم رئاسي بعد اتفاق الفصائل الفلسطينية على الانتخابات الشاملة على مراحل، وذلك لتغيير الواقع السياسي القائم واختيار رئيس جديد لشعبنا الفلسطيني، وانتخاب برلمان يمثل شعبنا في الداخل ومجلس وطني يمثل قضيتنا وعمقها في الداخل والخارج، لكن هذا الحلم شطبه محمود عباس في قرار ديكتاتوري خطير، وأعلن عن إلغاء الانتخابات العامة والتي كانت من المقرر أن تُجرى أولى مراحلها بعد أقل من شهر، مما دلل بشكل واضح على عدم رغبة محمود عباس في تحقيق آمال شعبنا الفلسطيني باختيار من يمثله، وهو ما انعكس بشكل كبير على الحالة الفلسطينية التي أصيبت بالجمود السياسي والعودة سنوات للوراء، وسط توقعات بأن لا يعود مرسوم الانتخابات ليحدد موعدها مجدداً.

محمود عباس الذي ألغي الانتخابات العامة وحرم شعبنا من ممارسة حقه الديمقراطي، حاول أن يلبس قراره ثوب الوطنية ووضع القدس عنوان لأسباب قرار الالغاء، ولكن هذه الحجة لم يصدقها شعبنا ولا فصائله، واتضح للجميع أن عباس لا يريد الانتخابات ولا يؤمن بها؛لأنه هو الخاسر الأكبر فيها، ولن يستطيع أن يحصل من خلالها على أي فوز يمكّنه من الاستمرار في منصبه، لإكمال مهمته الأمنية والسياسية التي وضع من أجلها في قيادة السلطة برغبة ورضا أمريكي صهيوني بحت.

 

ويتساءل شعبنا الفلسطيني اليوم: كيف يمكن التخلص من هذا الكابوس بعد 17 عاماً؟ كيف يمكن أن يُزاح محمود عباس عن المشهد السياسي الفلسطيني؟ كيف يمكن أن يحصل شعبنا الفلسطيني على حقه في الانتخابات؟ كيف يمكن أن ينتهي مسار محمود عباس السياسي عن شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة؟ كيف ذلك وعباس هو المتحكم في  الأمور السياسية والأمنية والتشريعية والقضائية في السلطة  الفلسطينية؟ حتى منظمة التحرير جيّرها لتكون تابعة له ولقراره السياسي الذي لا يخدم شعبنا وقضاياه الوطنية.

وللإجابة عن هذه الأسئلة لابد من الذهاب إلى حقيقة واضحة: هي عدم رغبة السلطة الفلسطينية في إجراء أي انتخابات؛ تؤسس لنظام سياسي جديد، وأن الحالة السياسية القائمة هي الأفضل والأنسب للسلطة، ورئيسها منتهي الصلاحية محمود عباس؛ للتحكم بكل المؤسسات الفلسطينية، واتخاذ القرارات؛ بما يتناسب مع الهوى السياسي الذي فرضه محمود عباس على حركة فتح ومنظمة التحرير.

أما فيما يتعلق بكيفية الخلاص من محمود عباس، فالحقيقة تقول إن الخلاص من محمود عباس لا يمكن أن يتحقق دون إجماع فصائلي شامل من كافة الفصائل الفلسطينية، وكذلك فصائل منظمة التحرير؛ ليطالب الجميع برحيل محمود عباس وترك السلطة فوراً إذا لم يكن يريد إجراء انتخابات فورية دون تسويف أو تأجيل، ولابد من العمل على إفساد مسار محمود عباس السياسي، من خلال تعزيز المقاومة بكافة أشكالها في الضفة الغربية والقدس، ومقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة الفردية والجماعية، ولابد للفصائل أن تعمل موحدة على خلق بيئة مناسبة وتعلن عن غرفة عمليات مشتركة لفصائل المقاومة في الضفة، وتجتهد بكل الإمكانات والقدرات على مقاومة الاحتلال وإرباكه وإشغاله؛ وهو ما سينعكس بشكل كبير على مستقبل عباس ومساره السياسي ورغبته بالبقاء على رأس السلطة.

أما سياسياً فلا بد من الدعوة لمؤتمر تحضره كل الفصائل والنخب السياسية والحقوقية لتتحدث باسم شعبنا الفلسطيني، ولتوقف هذه المهزلة المستمرة منذ 17 عاماً، فلم يعد مقبولاً لا وطنياً ولا شعبياً أن يستمر محمود عباس يوماً واحداً على مقعد الرئاسة، فكل يوم يقضيه الرجل في مكانه، هو محل تراجع ونكسه جديدة يعيشها شعبنا ومقاومتنا، واذا لم تنجح الفصائل الفلسطينية كافة بإنهاء حقبة عباس،  فلا خيار لشعبنا سوى الخروج في الشارع للمطالبة بحقه الديمقراطي ورحيل عباس فوراً عن المشهد الفلسطيني.

 

البث المباشر